الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا} (74)

وقوله سبحانه : { وَلَوْلاَ أَن ثبتناك } [ الإسراء : 74 ] .

تعديدُ نعمه على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وروي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما نزلَتْ هذه الآيةُ ، قال : ( اللَّهُمَّ ، لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عينٍ ) وقرأ الجمهور ( تركن ) بفتح الكاف ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يركَنْ ، لكنَّه كاد بَحسَب هَمِّه بموافقتهم طمعاً منه في استئلافهم ، وذهب ابن الأنباريِّ إِلى أن معنى الآية : لقد كادوا أن يخبروا عنْكَ أنَّك ركَنْتَ ونحو هذا ذهب في ذلك إلى نفْي الهمِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فحمَّل اللفظ ما لا يحتملُ وقوله : { شَيْئًا قَلِيلاً } يبطلُ ذلك .

( ت ) : وجزى اللَّه ابنَ الأنباريِّ خيراً ، وأن تنزيه سائر الأنبياء لواجبٌ ، فكيف بسيِّد ولد آدم صلى الله عليه وعليهم أجمعين .

قال أبو الفَضْل عياضٌ في «الشِّفَا » : قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن ثبتناك لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] قال بعض المتكلِّمين : عاتب اللَّه تعالى نبيَّنا عليه السلام قبل وقوع ما يوجبُ العتاب ليكون بذلك أشدَّ انتهاءً ومحافظةً لشرائط المحبَّة ، وهذه غاية العناية ، ثم انظُرْ كيف بدأ بثباته وسلامته قبل ذِكْر ما عاتبه عليه ، وخيف أنْ يركن إِليه ، وفي أثناء عتبه بَرَاءَتُه ، وفي طَيِّ تخويفه تأمينُه .

قال عياضٌ رحمه الله : ويجبُ على المؤمن المجاهِدِ نفسَهُ الرائِضِ بزمامِ الشريعةِ خُلُقَهُ أن يتأدَّب بآداب القرآن في قوله وفعله ومعاطاته ومحاوراته فهو عنصر المعارف الحقيقية ، وروضَةُ الآداب الدينية والدنيوية انتهى .

قال ( ع ) : وهذا الهمُّ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِنما كان خَطْرة مما لا يمكِنُ دفعه ، ولذلك قيل : { كِدتَّ } وهي تعطي أنه لم يقعْ ركونٌ ، ثم قيل : { شَيْئًا قَلِيلاً } إِذ كانت المقاربة التي تضمنتها { كِدتَّ } قليلةً خطرةً لم تتأكَّد في النفْس .