قوله تعالى : { ونادوا يا مالك } يدعون خازن النار ، { ليقض علينا ربك } ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة ، { قال إنكم ماكثون } مقيمون في العذاب .
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة يذكره عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن أهل النار يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً ، ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ، قال : " هانت -والله- دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ، ثم يدعون ربهم فيقولون : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، قال : فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يرد عليهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، قال : فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة ، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم ، تشبه أصواتهم بأصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق " .
{ وَنَادَوْا } وهم في النار ، لعلهم يحصل لهم استراحة ، { يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } أي : ليمتنا فنستريح ، فإننا في غم شديد ، وعذاب غليظ ، لا صبر لنا عليه ولا جلد . ف { قَالَ } لهم مالك خازن النار -حين طلبوا منه أن يدعو اللّه لهم أن يقضي عليهم- : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } أي : مقيمون فيها ، لا تخرجون عنها أبدا ، فلم يحصل لهم ما قصدوه ، بل أجابهم بنقيض قصدهم ، وزادهم غما إلى غمهم .
ثم حكى - سبحانه - بعض أقوالهم بعد نزول العذاب بهم فقال : { وَنَادَوْاْ يا مالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } .
والمراد بذلك سؤال خازن النار واللام فى قوله { لِيَقْضِ } لام الدعاء .
أى : وبعد أن طال العذاب على هؤلاء الكافرين ، نادوا فى ذلة واستجداء قائلين لخازن النار : يا مالك ادع لنا ربك كى يقضى علينا ، بأن يميتنا حتى نستريح من هذا العذاب .
فالمراد بالقضاء هنا : الإِهلاك والإِماتة ، ومنه قوله - تعالى - : { فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ . . . } أى : فأهلكه .
وفى هذا النداء ما فيه من الكرب والضيق ، حتى إنهم ليتمنون الموت لكى يستريحوا مما هم فيه من عذاب .
وهنا يجيئهم الرد بما يزيدهم غما على غمهم ، وهو قوله - تعالى - : { قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } أى : قال مالك فى الرد عليهم : إنكم ماكثون فيه بدون موت يريحكم من عذابها ، وبدون حياة تجدون معها الراحة والأمان .
{ ونادوا يا مالك } وقرئ " يا مال " على الترخيم مكسورا ومضموما ، ولعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا : { ليقض علينا ربك } والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا من قضى عليه إذا أماته ، وهو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة { قال إنكم ماكثون } لا خلاص لكم بموت ولا بغيره .
ثم ذكر تعالى عن أهل النار أنهم ينادون مالكاً خازن النار ، فيقولون على معنى الرغبة التي هي في صيغة الأمر { ليقض علينا ربك } أي ليمتنا مرة حتى يتكرر عذابنا .
وقرأ النبي عليه السلام على المنبر : «يا مالكٍ » بالكاف ، وهي قراءة الجمهور . وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش : «يا مال » بالترخيم ، ورويت عن علي بن أبي طالب ، ورواها أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والقضاء في هذه الآية بمعنى الموت ، كما قال تعالى : { فوكزه موسى فقضى عليه } [ القصص : 15 ] وروي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أن مالكاً يقيم بعد سؤالهم ألف سنة ، وقال نوف : مائة سنة ، وقيل : ثمانين سنة . وقال عبد الله بن عمر : وأربعين سنة ، ثم حينئذ يقول لهم : { إنكم ماكثون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.