معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عُرُبًا أَتۡرَابٗا} (37)

قوله تعالى : { عربا } قرأ حمزة وإسماعيل عن نافع وأبو بكر :{ عربا } ساكنة الراء ، والباقون بضمها وهي جمع عروب أي : عواشق محببات إلى أزواجهن . قال الحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير ، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس . وقال عكرمة عنه : ملقة . وقال عكرمة : غنجة . وقال أسامة بن زيد عن أبيه : { عربا } حسنات الكلام . { أترابا } مستويات في السن على سن واحد .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا شيبة ، أنبأنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مزداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين ، على خلق آدم طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع " .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد ابن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن رشد بن سعد ، حدثني عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي السمح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة ، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء " وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ينظر إلى وجهه في خدها اصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب ، وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك " . وبهذا الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون أبناء ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبداً ، وكذلك أهل النار " وبهذا الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن عليهم التيجان ، إن أدنى لؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب " .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر الحاربي ، أنبأنا محمد ابن يعقوب ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنبأنا عبد لله بن المبارك عن محمد بن سليمان عن الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد الله بن معبد الرماني ، عن أبي هريرة قال : " أدنى أهل الجنة منزلة وما منهم دنيء لمن يغدو عليه ويروح عشرة آلاف خادم ، مع كل واحد منهم طريفة ليست مع صاحبه " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عُرُبًا أَتۡرَابٗا} (37)

وعموم ذلك ، يشمل الحور العين ونساء أهل الدنيا ، وأن هذا الوصف -وهو البكارة- ملازم لهن في جميع الأحوال ، كما أن كونهن { عُرُبًا أَتْرَابًا } ملازم لهن في كل حال ، والعروب : هي المرأة المتحببة إلى بعلها بحسن لفظها ، وحسن هيئتها ودلالها وجمالها [ ومحبتها ] ، فهي التي إن تكلمت سبت العقول ، وود السامع أن كلامها لا ينقضي ، خصوصا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة والنغمات المطربة ، وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا ، وإن برزت{[967]}  من محل إلى آخر ، امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا ونورا ، ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع .

والأتراب اللاتي على سن واحدة ، ثلاث وثلاثين سنة ، التي هي غاية ما يتمنى ونهاية سن الشباب ، فنساؤهم عرب أتراب ، متفقات مؤتلفات ، راضيات مرضيات ، لا يحزن ولا يحزن ، بل هن أفراح النفوس ، وقرة العيون ، وجلاء الأبصار .


[967]:- في ب: وإن انتقلت.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عُرُبًا أَتۡرَابٗا} (37)

وقوله : { عُرُباً أَتْرَاباً } صفة أخرى من صفات هؤلاء النساء الفضليات الجميلات .

وقوله : { عُرُباً } جمع عروب - كرسل ورسول - من أعرب فلان فى قوله إذا نطق بفصاحة وحسن بيان .

وأترابا : جمع ترب - بكسر التاء وسكون الراء - وترب الإنسان هو ما كان مساويا له فى السن .

أى : إنا أنشأنا هؤلاء النساء على تلك الصورة الجميلة ، فجعلناهن أبكارا كما جعلناهن - أيضا - محببات إلى أزواجهن ، ومستويات فى سن واحدة .

روى الترمذى عن الحسن قال : " أتت عجوز فقالت يا رسول الله ادع الله - تعالى - أن يدخلنى الجنة ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ، فولت تبكى " .

فقال - صلى الله عليه وسلم - أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز ، إن الله - تعالى - يقول : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً . . } " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عُرُبًا أَتۡرَابٗا} (37)

وقوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا . لأصْحَابِ الْيَمِينِ } جرى الضمير على غير مذكور . لكن لما دل السياق ، وهو ذكر الفرش على النساء اللاتي يضاجَعن فيها ، اكتفى بذلك عن ذكرهن ، وعاد الضمير عليهن ، كما في قوله : { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ . فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } [ ص : 31 ، 32 ] يعني : الشمس ، على المشهور من قول المفسرين .

قال الأخفش في قوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً } أضمرهن ولم يذكرهن قبل ذلك . وقال أبو عبيدة : ذكرن في قوله : { وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 22 ، 23 ] .

فقوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ } أي : أعدناهن في النشأة الآخرة بعدما كُنَّ عجائز{[28091]} رُمْصًا ، صرن أبكارًا عربًا ، أي : بعد الثّيوبة عُدْن أبكارًا عُرُبًا ، أي : متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة .

وقال بعضهم : { عُرُبًا } أي : غَنِجات .

قال موسى بن عُبَيدة الرَّبَذِي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً } قال : " نساء عجائز كُنّ في الدنيا عُمْشًا رُمْصًا " . رواه الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم . ثم قال الترمذي : غريب ،

وموسى ويزيد ضعيفا{[28092]} {[28093]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا آدم - يعني : ابن أبي إياس - حدثنا شيبان ، عن جابر ، عن يزيد بن مُرَّة ، عن سلمة بن يزيد قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً } يعني : " الثيب والأبكار اللاتي كُنَّ في الدنيا " {[28094]} .

وقال عبد بن حُمَيد : حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : أتت عجوز فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : " يا أم فلان ، إن الجنة لا تدخلها عجوز " . قال : فَوَلَّت تبكي ، قال : " أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا }

وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد {[28095]} .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ، حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي ، حدثنا سليمان بن أبي كريمة ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله : { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] ، قال : " حور : بيض ، عين : ضخام العيون ، شُفْر الحوراء بمنزلة جناح النسر " . قلت : أخبرني عن قوله : { كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 23 ] ، {[28096]} قال : " صفاؤهن صفاءُ الدر الذي في الأصداف ، الذي لم تَمَسّه الأيدي " . قلت : أخبرني عن قوله : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } [ الرحمن : 70 ] . قال : " خَيّراتُ الأخلاق ، حِسان الوجوه " . قلت : أخبرني عن قوله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } [ الصافات : 49 ] ، قال : " رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر ، وهو : الغِرْقئُ " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : { عُرُبًا أَتْرَابًا } . قال : " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رُمْصًا شُمطًا ، خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى عُرُبًا متعشقات محببات ، أترابًا على ميلاد واحد " . قلت : يا رسول الله ، نساء الدنيا أفضل أم الحور العين ؟ قال : " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين ، كفضل الظّهارة على البطانة " . قلت : يا رسول الله ، وبم ذاك ؟ قال : " بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله ، عز وجل ، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلي ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرّ ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات فلا نموت أبدًا ، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا ، طوبى لمن كُنَّا له وكان لنا " . قلت : يا رسول الله ، المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ، ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها ، من يكون زوجها ؟ قال : " يا أم سلمة ، إنها تُخَيَّر فتختار أحسنهم خلقًا ، فتقول : يا رب ، إن هذا كان أحسن خلقًا معي فزوجنيه ، يا أم سلمة{[28097]} ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " {[28098]} .

وفي حديث الصور الطويل المشهور{[28099]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع للمؤمنين كلهم في دخول الجنة فيقول الله : قد شفعتك وأذنت لهم في دخولها . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي بعثني بالحق ، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم ، فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله ، وثنتين من ولد{[28100]} آدم لهما فضل على من أنشأ الله ، بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مُكَلَّل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجًا من سُنْدُس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبده لها مرآة - يعني : وكبدها له مرآة - فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذَكَرُه ، ولا تشتكي قُبُلها إلا أنه لا مني ولا مَنيَّة ، فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أن لك أزواجًا غيرها ، فيخرج ، فيأتيهن واحدة واحدة{[28101]} ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك ، وما في الجنة شيء أحب إليّ منك " .

وقال عبد الله بن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دَرَّاج ، عن ابن حُجَيرة {[28102]} ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له : أَنَطأ في الجنة ؟ قال : " نعم ، والذي نفسي بيده دَحْمًا دحمًا ، فإذا قام عنها رَجَعتْ مُطهَّرة بكرًا " {[28103]} .

وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي ، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيق الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ، حدثنا شريك ، عن عاصم الأحول ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عُدن أبكارًا " {[28104]} . وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا عِمْران ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في النساء " . قلت : يا رسول الله ، ويطيق ذلك ؟ قال : " يعطى قوة مائة " .

ورواه الترمذي من حديث أبي داود وقال : صحيح غريب{[28105]} .

وروى أبو القاسم الطبراني من حديث حسين بن علي الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ قال : " إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء " {[28106]} .

قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي : هذا الحديث عندي على شرط الصحيح ، والله أعلم .

وقوله : { عُرُبًا } قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يعني متحببات إلى أزواجهن ، ألم تر إلى الناقة الضبعة ، هي كذلك .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : العُرُب : العواشق لأزواجهن ، وأزواجهن لهن عاشقون . وكذا قال عبد الله بن سَرْجس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو العالية ، ويحيى بن أبي كثير ، وعطية ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم .

وقال ثور بن زيد ، عن عِكْرِمَة قال : سئل ابن عباس عن قوله : { عُرُبًا } قال : هي الملِقَةُ لزوجها .

وقال شعبة ، عن سِمَاك ، عن عكرمة : هي الغَنِجة .

وقال الأجلح بن عبد الله ، عن عكرمة : هي الشَّكلة .

وقال صالح{[28107]} بن حَيَّان ، عن عبد الله بن بُرَيْدَة في قوله : { عُرُبًا } قال : الشكلة بلغة أهل مكة ، والغنجة{[28108]} بلغة أهل المدينة .

وقال تميم بن حذلم : هي حسن التَّبَعل .

وقال زيد بن أسلم ، وابنه عبد الرحمن : العُرُب : حسنات الكلام .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن سهل بن عثمان العسكري : حدثنا أبو علي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عُرُبًا } قال : " كلامهن عربي " .

وقوله : { أَتْرَابًا } قال الضحاك ، عن ابن عباس يعني : في سن واحدة ، ثلاث وثلاثين سنة .

وقال مجاهد : الأتراب : المستويات . وفي رواية عنه : الأمثال . وقال عطية : الأقران . وقال السدي : { أَتْرَابًا } أي : في الأخلاق المتواخيات بينهن ، ليس بينهن تباغض ولا تحاسد ، يعني : لا كما كن ضرائر [ في الدنيا ]{[28109]} ضرائر متعاديات .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الله بن الكهف ، عن الحسن ومحمد : { عُرُبًا أَتْرَابًا } قالا المستويات الأسنان ، يأتلفن جميعًا ، ويلعبن جميعًا .

وقد روى أبو عيسى الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن أبي معاوية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لمجتمعًا للحور العين ، يرفعن أصواتًا لم تسمع الخلائق بمثلها ، يقلن {[28110]} نحن الخالدات فلا نبِيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكُنَّا له " . ثم قال : هذا حديث غريب {[28111]} .

وقال الحافظ أبو {[28112]} يعلى : حدثنا أبو خَيْثَمة ، حدثنا إسماعيل بن عمر ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن فلان بن عبد الله بن رافع ، عن بعض ولد أنس بن مالك ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الحور العين ليغنين{[28113]} في الجنة ، يقلن نحن خَيِّرات حِسان ، خُبِّئنا لأزواج كرام " {[28114]} .

قلت : إسماعيل بن عُمَر هذا هو أبو المنذر الواسطي أحد الثقات الأثبات . وقد روى هذا الحديث الإمام عبد الرحيم بن إبراهيم الملقب بدُحَيْم ، عن ابن أبي فُدَيْك ، عن ابن أبي ذئب ، عن عون بن الخطاب بن عبد الله بن رافع ، عن ابنٍ لأنس ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الحور العين يغنين في الجنة : نحن الجوار الحسان ، خلقنا لأزواج كرام " {[28115]} .


[28091]:- (3) في أ: "ماكن عجاف".
[28092]:- (4) في أ: "ضعيفان".
[28093]:- (5) سنن الترمذي برقم (3296) وتفسير الطبري (27/107).
[28094]:- (6) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (7/40) وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (389) من طريق شيبان به، وجابر بن يزيد ضعيف.
[28095]:- (1) الشمائل المحمدية للترمذي برقم (230).
[28096]:- (2) في أ: "كأنهن" وهو خطأ.
[28097]:- (3) في أ: "يا أم سليم".
[28098]:- (4) المعجم الكبير (23/368) وقال الهيثمي في المجمع (7/119): "فيه إسماعيل بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي".
[28099]:- (5) حديث الصور مضى عند تفسير الآية: 73 من سورة الأنعام.
[28100]:- (1) في م: "من ابن".
[28101]:- (2) في م: "واحدة بعد واحدة".
[28102]:- (3) في أ: "عن ابن حجرة".
[28103]:- (4) رواه ابن حبان في صحيحه برقم (2633) "موارد" وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (393) من طريق ابن وهب به، ودراج متكلم فيه.
[28104]:- (5) المعجم الصغير (1/91) وفيه معلى بن عبد الرحمن وهو كذاب.
[28105]:- (6) مسند الطيالسي برقم (2012) وسنن الترمذي برقم (2536).
[28106]:- (7) المعجم الصغير (2/12، 13).

[28107]:- (1) في أ: "أبو صالح".
[28108]:- (2) في م: "والمفتوجة".
[28109]:- (3) زيادة من م.
[28110]:- (4) في م، أ: "قال: قلن".
[28111]:- (5) سنن الترمذي برقم (2564).
[28112]:- (6) في هـ: "ابن" والصواب ما أثبتناه من م، أ.
[28113]:- (7) في م: "ليتغنين".
[28114]:- (8) ذكره الحافظ بن حجر في المطالب العالية (4/402) وعزاه لأبي يعلى، ونقل المحقق قول البوصيري: "ورواه أبو يعلى وفيه راو لم يسم". ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم (254): حدثنا أبو خيثمة، حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن عبد الله بن رافع عن بعض ولد أنس بن مالك، عن أنس بن مالك به.
[28115]:- (1) ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (432) من طريق دحيم به، ورواه البيهقي في البعث برقم (420) من طريق ابن عبد الحكم، وابن أبي داود في البعث برقم (75) عن كثير بن عبيد كلاهما عن ابن أبي فديك به نحوه، ورواه الطبراني في الأوسط برقم (4887) "مجمع البحرين" من طريق الحسن بن داود عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، عن عون بن الخطاب عن أنس به نحوه. قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/226): "رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وإسناده مقارب، ورواه البيهقي عن ابن لأنس لم يسمه عن أنس" وأشار البخاري إلى اختلاف فيه في التاريخ الكبير (7/16).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عُرُبًا أَتۡرَابٗا} (37)

والعرب جمع عروب ، وهي المتحببة إلى زوجها بإظهار محبته ، قاله ابن عباس والحسن ، وعبر عنهم ابن عباس أيضاً بالعواشق ، ومنه قول لبيد :

وفي الحدوج عروب غير فاحشة . . . ريا الروادف يعشى دونها البصر{[10908]}

وقال ابن زيد العروب : الحسنة الكلام ، وقد تجيء العروب صفة ذم على غير هذا المعنى وهي الفاسدة الأخلاق كأنها عربت{[10909]} ومنه قول الشاعر [ ابن الأعرابي ] : [ الطويل ]

وما بدل من أم عثمان سلفع . . . من السود ورهاء العنان عروب

وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي : «عرُباً » بضم الراء . وقرأ حمزة والحسن والأعمش : «عرْباً » بسكونها وهي لغة بني تميم ، واختلف عن نافع وأبي عمرو وعاصم .

وقوله : { أتراباً } معناه في الشكل والقد حتى يقول الرائي هم أتراب ، والترب هو الذي مس التراب مع تربه في وقت واحد . قال قتادة : { أتراباً } يعني سناً واحدة ، ويروى أن أهل الجنة على قد ابن أربعة عشر عاماً في الشباب والنضرة ، وقيل على مثال أبناء ثلاث وثلاثين سنة مرداً بيضاً مكحلين .


[10908]:قاله لبيد بن ربيعة العامري من قصيدة له يتغنى فيها بالحياة الصحراوية، ويفتخر بمآثره، والحُدوج: جمع حِدج وهو مركب للنساء كالهودج يوضع على ظهور الإبل، ويروى البيت:"وفي الخدور"، والعَروب: المرأة التي تتحبب إلى زوجها، وهو موضع الاستشهاد هنا، ورياّ الروادف: ممتلئة العجيزة، ويعشى: يكل ويضعف البصر من شدة الضوء.
[10909]:التعريب: الفُحش وما قبح من الكلام، ومنه حديث عطاء: أنه كره الإعراب للمحرم، وهو الإفحاش في القول.