وأن أعمال النبيين والصديقين ، والشهداء والصالحين ، لا تنفع اللّه شيئا وإنما تنفع عامليها ، واللّه غني عنهم ، وعن أعمالهم ، ومن غناه ، أن أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم .
ثم أخبر تعالى عن سعة حمده ، وأن حمده من لوازم ذاته ، فلا يكون إلا حميدا من جميع الوجوه ، فهو حميد في ذاته ، وهو حميد في صفاته ، فكل صفة من صفاته ، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه ، لكونها صفات عظمة وكمال ، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه ، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه ، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد ، في الدنيا والآخرة ، يحمد عليه .
ثم بين - سبحانه - ما يدل على عظم قدرته ، وشمول ملكه فقال : { لِلَّهِ مَا فِي السماوات والأرض } . أى : لله - تعالى - وحده ، ما فى السماوات وما فى الأرض ، خلقا ، وملكا ، وتصرفا . .
{ إِنَّ الله هُوَ الغني } عن كل ما سواه { الحميد } أى : المحمود من أهل الأرض والسماء ، لأنه هو الخالق لكل شئ ، والرازق لكل شئ .
وقوله : لِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالى ذكره : لله كلّ ما في السموات والأرض من شيء ملكا كائنا ما كان ذلك الشيء من وثن وصنم وغير ذلك ، مما يعبد أو لا يعبد إنّ الله هُوَ الغَنِيّ الحَمِيدُ يقول : إن الله هو الغنيّ عن عبادة هؤلاء المشركين به الأوثان والأنداد ، وغير ذلك منهم ومن جميع خلقه ، لأنهم ملكه وله ، وبهم الحاجة إليه . الحميد يعني المحمود على نعمه التي أنعمها على خلقه .
موقع هذه الجملة من التي قبلها موقع النتيجة من الدليل في قوله : { لله ما في السماوات } فلذلك فصلت ولم تعطف لأنها بمنزلة بدل الاشتمال من التي قبلها ، كما تقدم آنفاً في قوله { يأت بها الله إن الله لطيف خبير } [ لقمان : 16 ] ؛ فإنه لما تقرر إقرارهم لله بخلق السماوات والأرض لزمهم إنتاج أن ما في السموات والأرض ملك لله ومن جملة ذلك أصنامهم . والتصريح بهذه النتيجة لقصد التهاون بهم في كفرهم بأن الله يملكهم ويملك ما في السماوات والأرض ، فهو غني عن عبادتهم محمود من غيرهم .
وضمير { هو } ضمير فصل مُفاده اختصاص الغِنى والحمْد بالله تعالى ، وهو قصر قلب ، أي ليس لآلهتهم المزعومة غنى ولا تستحق حمداً . وتقدم الكلام على الغني الحميد عند قوله { فإن الله غني حميد } في أول السورة لقمان ( 12 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم عظم نفسه عز وجل، فقال: {لله ما في السماوات والأرض} من الخلق، عبيده، وفي ملكه.
{إن الله هو الغني} عن عبادة خلقه {الحميد} عند خلقه في سلطانه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"لِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ" يقول تعالى ذكره: لله كلّ ما في السموات والأرض من شيء ملكا كائنا ما كان ذلك الشيء من وثن وصنم وغير ذلك، مما يعبد أو لا يعبد. "إنّ الله هُوَ الغَنِيّ الحَمِيدُ "يقول: إن الله هو الغنيّ عن عبادة هؤلاء المشركين به الأوثان والأنداد، وغير ذلك منهم ومن جميع خلقه، لأنهم ملكه وله، وبهم الحاجة إليه. "الحميد" يعني المحمود على نعمه التي أنعمها على خلقه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
كأنه يخبرهم، ويذكر أن ما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وما يمتحنهم من جميع أنواع المحن، لا لحاجة نفسه أو لدفع المضرة عن نفسه، ولكن لحاجة أنفس الممتحنين ولمنفعتهم ولدفع المضرة عنهم، إذ من بلغ ملكه وسلطانه المبلغ الذي ذكر حتى كان له جميع ما في السماوات والأرض لا يحتمل أن يأمر الخلق، وينهى، أو يمتحن، لحاجة نفسه ولكن لحاجة الخلق في جر المنفعة ودفع المضرة.
ويحتمل أنه يذكرهم نعمه عليهم ليستأدي به شكره حين سخر لهم ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما وحقيقة ملك ذلك كله له.
{الحميد} قيل: أهل أن يحمد ويشكر لذاته، وقيل: {الحميد} في فعاله وصنائعه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِنَّ الله هُوَ الغني} عن حمد الحامدين المستحق للحمد، وإن لم يحمدوه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر على جهة الحكم وفصل القضية بأن الله له ملك السماوات والأرض وما فيها، أي وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة و {الغني} الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء ولا نقص بجهة من الجهات، و {الحميد} المحمود أي كذلك هو بذاته وصفاته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أثبت لنفسه سبحانه الإحاطة بأوصاف الكمال، شرع يستدل على ذلك، فقال مبيناً أن ما أخبر أنه صنعه فهو له: {لله} أي الملك الأعظم المحيط بجميع أوصاف الكمال خاصة دون غيره {ما في السماوات} كلها. ولما تحرر بما تقدم أنهم عالمون مقرون بما يلزم عنه وحدانيته، لم يؤكد بإعادة {ما} والجار، بل قال: {والأرض} أي كلها كما كانتا مما صنعه، فلا يصح أن يكون شيء من ذلك له شريكاً.
ولما ثبت ذلك أنتج قطعاً قوله: {إن الله} أي الملك الأعظم {هو} أي وحده، وأكد لأن ادعائهم الشريك يتضمن إنكار غناه، ولذلك أظهر موضع الإضمار إشارة إلى أن كل ما وصف به فهو ثابت له مطلقاً من غير تقييد بحيثيته {الغني} مطلقاً، لأن جميع الأشياء له ومحتاجة إليه، وليس محتاجاً إلى شيء أصلاً. ولما كان الغني قد لا يوجب الحمد لله: {الحميد} أي المستحق لجميع المحامد، لأنه المنعم على الإطلاق، المحمود بكل لسان ألسنة الأحوال والأقوال، ولو كان نطقها ذماً فهو حمد من حيث إنه هو الذي أنطقها، ومن قيد الخرس أطلقها.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{الْحَمِيدُ} أي المحمود فيما خلق وشرع، بلسان الحال والمقال.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ثم أخبر تعالى عن سعة حمده، وأن حمده من لوازم ذاته، فلا يكون إلا حميدا من جميع الوجوه، فهو حميد في ذاته، وهو حميد في صفاته، فكل صفة من صفاته، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه، لكونها صفات عظمة وكمال، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد، في الدنيا والآخرة، يحمد عليه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ومن البديهي أنّ الخالق والمالك يكون مدبّراً لأمر العالم أيضاً، وبهذا تثبت أركان التوحيد الثلاثة، وهي: «توحيد الخالقية» و «توحيد المالكية» و «توحيد الربوبية». والذي يكون على هذا الحال فإنّه غنيّ عن كلّ شيء، وأهل لكلّ حمد وثناء إنّه غنيّ على الإطلاق، وحميد من كلّ جهة، لأنّ كلّ موهبة في هذا العالم تعود إليه، وكلّ ما يملكه الإنسان فانّه صادر منه وخزائن كلّ الخيرات بيده، وهذا دليل حيّ على غناه. ولمّا كان «الحمد» بمعنى الثناء على العمل الحسن الذي يصدر عن المرء باختياره، وكلّ حسن نراه في هذا العالم فهو من الله سبحانه، فإنّ كلّ حمد وثناء منه.