{ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } أي : بذلك الماء { جَنَّاتٍ } أي : بساتين { مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } خص تعالى هذين النوعين ، مع أنه ينشئ منه غيرهما من الأشجار ، لفضلهما ومنافعهما ، التي فاقت بها الأشجار ، ولهذا ذكر العام في قوله : { لَكُمُ فيها } أي : في تلك الجنات { فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } من تين ، وأترج ، ورمان ، وتفاح وغيرها .
ثم بين - سبحانه - الآثار الجليلة المترتبة على إنزال الماء من السماء فقال : { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ . . . } .
أى : فأوجدنا لكم بسبب نزول الماء على الأرض بساتين متنوعة ، بعضها من نخيل ، وبعضها من أعناب ، وبعضها منهما معاً ، وبعضها من غيرهما .
وخص النخيل والأعناب بالذكر ، لكثرة منافعهما ، وانتشارهما فى الجزيرة العربية ، أكثر من غيرهما .
{ لَّكُمْ فِيهَا } أى : فى تلك الجنات { فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ } تتلذذون بها فى مأكلكم { وَمِنْهَا } . أى : ومن هذه البساتين والجنات { تَأْكُلُونَ } ما تريدون أكله منها فى كل الأوقات .
وقوله : { فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } يعني : فأخرجنا لكم بما أنزلنا من الماء { جَنَّاتٍ } أي : بساتين وحدائق ذات بهجة ، أي : ذات منظر حسن .
وقوله : { مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } أي : فيها نخيل وأعناب . وهذا ما كان يألف أهل الحجاز ، ولا فرق بين الشيء وبين نظيره ، وكذلك في حق كل أهل إقليم ، عندهم من الثمار من نعمة الله عليهم ما يَعْجِزُون عن القيام بشكره .
وقوله : { لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ } أي : من جميع الثمار ، كما قال : { يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } [ النحل : 11 ] .
وقوله : { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } كأنه معطوف على شيء مقدر ، تقديره : تنظرون إلى حسنه ونضجه ، ومنه تأكلون .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنّاتٍ مّن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فأحدثنا لكم بالماء الذي أنزلناه من السماء ، بساتين من نخيل وأعناب لَكُمْ فِيهَا يقول : لكم في الجنات فواكه كثيرة . وَمِنْها تَأْكُلُونَ يقول : ومن الفواكه تأكلون . وقد يجوز أن تكون الهاء والألف من ذكر الجنات ، ويحتمل أن تكون من ذكر النخيل والأعناب . وخصّ جلّ ثناؤه الجنات التي ذكرها في هذا الموضع ، فوصفها بأنها من نخيل وأعناب دون وصفها بسائر ثمار الأرض لأن هذين النوعين من الثماء كانا هما أعظم ثمار الحجاز وما قرب منها ، فكانت النخيل لأهل المدينة ، والأعناب لأهل الطائف ، فذكر القوم بما يعرفون من نعمة الله عليهم ، بما أنعم به عليهم من ثمارها .
{ فأنشأنا لكم به } بالماء . { جنات من نخيل وأعناب لكم فيها } في الجنات . { فواكه كثيرة } تتفكهون بها . { ومنها } ومن الجنات ثمارها وزروعها . { تأكلون } تغذيا أو ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم : فلان يأكل من حرفته ، ويجوز أن يكون الضمير أن لل { نخيل } وال{ أعناب } أي لكم في ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزينب والعصير والدبس وغير ذلك وطعام تأكلونه .
{ فأنشأنا } ، معناه فأوجدنا وخلقنا ، وذكر تعالى «النخيل والأعناب » لأَنها ثمرة الحجاز بالطائف والمدينة وغيرهما قاله الطبري ، ولأنهما أيضاً أشرف الثمار فذكرها مثالاً تشريفاً لها وتنبيهاً عليها ، وقوله { لكم فيها } يحتمل أن يعود الضمير على الجنات فيريد حينئذ جميع أنواع الفاكهة ، ويحتمل أن يعود على النخيل والأعناب خاصة ، إذ فيها مراتب وأنواع والأول أعم لسائر الثمرات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.