روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَأَنشَأۡنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّـٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (19)

{ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } أي بذلك الماء وهو ظاهر فيما عليه السلف ، وقال الخلف : المراد أنشأنا عنده { جنات مّن نَّخِيلٍ وأعناب } قدمهما لكثرتهما وكثرة الانتفاع بهما لاسيما في الحجاز والطائف والمدينة { لَكُمْ فِيهَا } أي في الجنات { فواكه كَثِيرَةٌ } تتفكهون بها وتتنعمون زيادة على المعتاد من الغذاء الأصلي ، والمراد بها ما عدا ثمرات النخيل والأعناب .

{ وَمِنْهَا } أي من الجنات والمراد من زروعها وثمارها ، ومن ابتدائية وقيل إنها تبعيضية ومضمونها مفعول { تَأْكُلُونَ } والمراد بالأكل معناه الحقيقي .

وجوز أن يكون مجازاً أو كناية عن التعيش مطلقاً أي ومنها ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته ، وجوز أن يعود الضميران للنخيل والأعناب أي لكن في ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزبيب والدبس من كل منهما وغير ذلك وطعام تأكلونه فثمرتهما جامعة للتفكه والغذاء بخلاف ثمرة ما عداهما وعلى هذا تكون الفاكهة مطلقة على ثمرتهما .

وذكر الراغب في الفاكهة قولين : الأول أنها الثمار كلها ، والثاني أنها ما عدا العنب والرمان ، وصاحب القاموس اختار الأول وقال : قول مخرج التمر والرمان منها مستدلاً بقوله تعالى : { فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [ الرحمن : 68 ] باطل مردود ، وقد بينت ذلك مبسوساً في اللامع المعلم العجاب اه ؛ وأنت تعلم أن للفقهاء خلافاً في الفاكهة فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها التفاح والبطيخ والمشمش والكمثري ونحوها لا العنب والرمان والرطب ، وقال صاحباه : المستثنيات أيضاً فاكهة وعليه ال فتوى ، ولا خلاف كما في القهستاني نقلاً عن الكرماني في أن اليابس منها كالزبيب والتمر وحب الرمان ليس بفاكهة .

وفي الدر المختار أن الخلاف بين الإمام وصاحبيه خلاف عصر فالعبرة فيمن حلف لا يأكل الفاكهة العرف فيحنث بأكل ما يعد فاكهة عرفاً ذكر ذلك الشمني وأقره الغزي ، ولا يخفى أن شيئاً واحداً يقال له فاكهة في عرف قوم ولا يقال له ذلك في عرف آخرين ، ففي النهر عن المحيط ما روي من أن الجوز واللوز فاكهة فهو في عرفهم أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه اه ، ثم إني لم أر أحداً من اللغويين ولا من الفقهاء عد الدبس فاكهة فتدبر ولا تغفل .

ومن باب الإشارة : { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جنات مّن نَّخِيلٍ } أي نخيل المعارف { وأعناب } أي أعناب الكشوف ، وقيل النخيل إشارة إلى علوم الشريعة والأعناب إشارة إلى علوم الطريقة { وأعناب لَّكُمْ فِيهَا فواكه كَثِيرَةٌ } هي ما كان منها زائداً على الواجب { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ المؤمنون : 19 ] إشارة إلى ما كان واجباً لا يتم قوام الشريعة والطريقة بدونه