فهذا ما قدر { اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } حيث سوى الفقير العاجز من جميع الوجوه ، بالغني القوي من جميع الوجوه ، سوى من لا يملك لنفسه ، ولا لغيره نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، بمن هو النافع الضار ، المعطي المانع ، مالك الملك ، والمتصرف فيه بجميع أنواع التصريف .
{ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : كامل القوة ، كامل العزة ، من كمال قوته وعزته ، أن نواصي الخلق بيديه ، وأنه لا يتحرك متحرك ، ولا يسكن ساكن ، إلا بإرادته ومشيئته ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن كمال قوته ، أنه يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، ومن كمال قوته ، أنه يبعث الخلق كلهم ، أولهم وآخرهم ، بصيحة واحدة ، ومن كمال قوته ، أنه أهلك الجبابرة والأمم العاتية ، بشيء يسير ، وسوط من عذابه .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن هؤلاء المشركين ، قد وضعوا الأمور فى غير موضعها ، لجهلهم وغبائهم فقال : { مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ . . . } .
أى : ما عظموا الله حق تعظيمه ، وما عرفوه حق معرفته ، حيث تركوا عبادة الواحد القهار ، وعبدوا ما يعجز عن رد ما سلبه الذباب منه .
{ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ } على خلق كل شىء { عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب ، ولا يدافعه مدافع
وفي أنسب الظروف . . والمشاعر تفيض بالزراية والاحتقار لضعف الآلهة المدعاة يندد بسوء تقديرهم لله ، ويعرض قوة الله الحق الحقيق بأنه إله :
( ما قدروا الله حق قدره ، إن الله لقوي عزيز ) . .
ما قدروا الله حق قدره ، وهم يشركون به تلك الآلهة الكليلة العاجزة التي لا تخلق ذبابا ولو تجمعت له . بل لا تستنقذ ما يسلبها الذباب إياه !
ما قدروا الله حق قدره ، وهم يرون آثار قدرته ، وبدائع مخلوقاته ، ثم يشركون به من لا يستطيعون خلق الذباب الحقير !
ما قدروا الله حق قدره ، وهم يستعينون بتلك الآلهة العاجزة الكليلة عن استنقاذ ما يسلبها إياه الذباب ، ويدعون الله القوي العزيز . .
تذييل للمثل بأن عبادتهم الأصنام مع الله استخفاف بحق إلهيته تعالى إذ أشركوا معه في أعظم الأوصاف أحقر الموصوفين ، وإذ استكبروا عند تلاوة آياته تعالى عليهم ، وإذ هموا بالبطش برسوله .
والقَدر : العظمة ، وفعل قَدر يفيد أنه عامل بقَدره . فالمعنى : ما عظموه حق تعظيمه إذ أشركوا معه الضعفاء العجز وهو الغالب القوي . وقد تقدّم تفسيره في قوله { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } في [ سورة الأنعام : 91 ] .
وجملة { إن الله لقوي عزيز } تعليل لمضمون الجملة قبلها ، فإن ما أشركوهم مع الله في العبادة كل ضعيف ذليل فما قدروه حق قدره لأنه قوي عزيز فكيف يشاركه الضعيف الذليل . والعدول عن أن يقال : ما قَدرتم الله حقّ قدره ، إلى أسلوب الغيبة ، التفات تعريضاً بهم بأنّهم ليسوا أهلاً للمخاطبة توبيخاً لهم ، وبذلك يندمج في قوله : { إن الله لقوي عزيز } تهديد لهم بأنه ينتقم منهم على وقاحتهم .
وتوكيد الجملة بحرف التوكيد ولام الابتداء مع أن مضمونها مما لا يختلف فيه لتنزيل علمهم بذلك منزلة الإنكار لأنهم لم يَجروا على موجَب العلم حين أشركوا مع القوي العزيز ضعفاء أذلة .
والقويّ : من أسمائه تعالى . وهو مستعمل في القدرة على كلّ مراد له . والعزيز : من أسمائه ، وهو بمعنى : الغالب لكلّ معاند .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.