محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ { 74 } }

{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي حال كونها واضحة الدلالة على حقيقتها وما تضمنته { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ } أي الإنكار أو الفظيع من التهجم والبسور . أو الشر الذي يقصدونه بظهور مخايله { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا } أي يبطشون بهم من فرط الغيظ والغضب . قال في ( فتح البيان ) وكذلك أهل البدع المضلة ، إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليه ، من آيات الكتاب العزيز أو من السنة الصحيحة ، مخالفا لما اعتقده من الباطل ، رأيت في وجهه من المنكر ، ما لو تمكن من أن يسطو بذلك لفعل به ما لا يفعله بالمشركين والله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ } أي بُيّن { مَثَلٌ } أي حال مستغرب { فاستمعوا له } أي تدبروه حق تدبيره . فإن الاستماع بلا تدبر وتعقل لا ينفع { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } يعني الأصنام { لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ } أي لخلقه متعاونين . وتخصيصه الذباب ، لمهانته وضعفه واستقذاره . وهذا من أبلغ ما أنزل في تجهيل المشركين . حيث وصفوا بالإلهية التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها ، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها ، صورا وتماثيل ، يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه الله تعالى وأذله ، ولو اجتمعوا لذلك { وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ } أي هذا الخلق الأذل ، لو اختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه ، لم يقدروا { ضَعُفَ الطَّالِبُ } أي الصنم يطلب ما سلب منه { وَالْمَطْلُوبُ } أي الذباب بما سلب . وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف . ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف . فإن الذباب حيوان وهو جماد . وهو غالب وذلك مغلوب . وجوز أن يراد بالطالب عابد الصنم ، وبالمطلوب معبوده . قيل : وهو أنسب بالسياق لأنه لتجهيلهم وتحقير معبوداتهم . فناسب إرادتهم والأصنام من هذا التذييل . واختار الوجه الأول الزمخشري . لما فيه من التهكم ، بجعل الصنم طالبا على الفرض تهكما . وأنه أضعف من الذباب لأنه مسلوب وجماد ، وذاك حيوان بخلافه .

وهذه الجملة التذييلية إخبار أو تعجب . وقوله تعالى { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عرفوه حق معرفته ، حيث أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي قادر وغالب . فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيها به . أو لقوي بنصر أوليائه ، عزيز ينتقم من أعدائه .