السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

ولما أنتج هذا جهلهم بالله عز وجل عبّر عنه بقوله تعالى : { ما قدروا الله } أي : الذي له الكمال كله { حق قدره } أي : ما عظموه حق تعظيمه ، وما عرفوه حق معرفته ولا وصفوه حق صفته حيث أشركوا به ما لا يمتنع عن الذباب ولا ينتصف منه { إنّ الله } أي : الجامع لصفات الكمال { لقويّ } على خلق الممكنات بأسرها { عزيز } أي : لا يغلبه شيء وآلهتهم التي يعبدونها عاجزة عن أقلها مقهورة من أذلها ؛ قال الكلبي في هذه الآية وفي نظيرها في سورة الإنعام أنها نزلت في جماعة من اليهود مالك بن الصيف ، وكعب بن الأشرف ، وكعب بن أسد ، وغيرهم حيث قالوا : إنّ الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض وأجناس خلقها استلقى واستراح ووضع إحدى رجليه على الأخرى فنزلت هذه الآية تكذيباً لهم ، ونزل قوله تعالى : { وما مسنا من لغوب } [ ق ، 38 ] ؛ قال الرازي : واعلم أنّ منشأ هذه الشبهة هو القول بالتشبيه فيجب تنزيه ذات الله تعالى عن مشابهة سائر الذوات خلاف ما يقوله المشبهة ، وتنزيه صفاته عن مشابهة سائر الصفات خلاف ما يقوله الكرامية ، وتنزيه أفعاله عن مشابهة سائر الأفعال أعني عن الغرض والدواعي واستحقاق المدح والذم خلاف ما يقوله المعتزلة ، قال أبو القاسم الأنصاري رحمه الله تعالى : فهو سبحانه وتعالى خير النعت عزيز الوصف ، فالأوهام لا تصوّره والأفكار لا تقدره ، والعقول لا تمثله والأزمنة لا تدركه والجهات لا تحويه ولا تحدّه ، صمديّ الذات سرمديّ الصفات .