{ 7 } { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }
كرر الإخبار بأن له ملك السماوات والأرض وما فيهما من الجنود ، ليعلم العباد أنه تعالى هو المعز المذل ، وأنه سينصر جنوده المنسوبة إليه ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } { وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا } أي : قويا غالبا ، قاهرا لكل شيء ، ومع عزته وقوته فهو حكيم في خلقه وتدبيره ، يجري على ما تقتضيه حكمته وإتقانه .
ثم أكد - سبحانه - ملكيته لكل شئ فقال : { وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً } ، أى : ولله - تعالى - وحده جنود السماوات والأرض ، وكان - سبحانه - وما زال غالبا على كل شئ ، حكيما فى كل أوامره ونواهيه . وفى كل تصرفاته وأفعاله .
ولما كان المقصود من ذكر الجنود هنا : تهديد المنافقين والمشركين ، وأنهم فى قبضته - تعالى - ، ناسب أن تذيل الآية هنا بقوله : { وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً } لأن العزة تقتضى الغلبة للغير .
ولما كان المقصود من ذكر الجنود فى الآية الرابعة ، بيان أن المدبر لهذا الكون هو الله - تعالى - ناسب أن تذيل الآية هناك بقوله - سبحانه - : { وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً } .
وقد جمع الله في الآية أعداء الإسلام والمسلمين من شتى الأنواع ؛ وبين حالهم عنده ، وما أعده لهم في النهاية . ثم عقب على هذا بما يفيد قدرته وحكمته : ( ولله جنود السماوات والأرض ، وكان الله عزيزا حكيما ) . . فلا يعييه من أمرهم شيء ، ولا يخفى عليه من أمرهم شيء ، وله جنود السماوات والأرض ، وهو العزيز الحكيم .
وقال تعالى في هذه { وكان الله عزيزاً حكيماً } فذكر صفة العزة من حيث تقدم الانتقام من الكفار ، وفي التي قبل قرن بالحكمة والعلم من حيث وعده بمغيبات ، وقرن باللفظتين ذكر جنود الله تعالى التي منها السكينة ومنها نقمة من المنافقين والمشركين ، فلكل لفظ وجه من المعنى ، وقال ابن المبارك في كتاب النقاش : جنود الله في السماء ، الملائكة ، وفي الأرض الغزاة في سبيل الله . قال عبد الحق : وهذا بعض من كل .
هذا نظير ما تَقدم آنفاً إلا أن هذا أوثر بصفة عزيز دون عليم لأن المقصود من ذكر الجنود هنا الإنذار والوعيد بهزائم تحل بالمنافقين والمشركين فكما ذكر { ولله جنود السماوات والأرض } فيما تقدم للإشارة إلى أنّ نصر النبي صلى الله عليه وسلم يكون بجنود المؤمنين وغيرهما ذكر ما هنا للوعيد بالهزيمة فمناسبة صفة عزيز ، أي لا يغلبه غالب .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَلِلّهِ جُنُودُ السّمَوَاتِ والأرْضِ "يقول جلّ ثناؤه: ولله جنود السموات والأرض أنصارا على أعدائه، إن أمرهم بإهلاكهم أهلكوهم، وسارعوا إلى ذلك بالطاعة منهم له.
"وكانَ اللّهُ عَزيزا حَكِيما" يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله ذا عزّة، لا يغلبه غالب، ولا يمتنع عليه مما أراده به ممتنع، لعظم سلطانه وقدرته، حكيم في تدبيره خلقه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما} ذكر على إثر ما ذكر {وكان الله عزيزا حكيما} ليُعلم أن عِزّه ليس بما ذكر من الجنود الذين له في السماوات والأرض، ولكنه كان عزيزا بذاته؛ له العزّ الذاتيّ الأزليّ، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وإنما أعيد ذكر (ولله جنود...) لأنه متصل بذكر المنافقين أي وله الجنود التي يقدر على الانتقام منكم بها، وذكر أولا، لأنه متصل بذكر المؤمنين أي له الجنود التي يقدر أن يغنيكم بها.. والعزيز: القادر الذي لا يقهر...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
ومعناه: إن الظفر من قِبَلي، والجنود كلها لي، فمن شئت أن أنصره لم يعسر ذلك علي، قل أعداؤه أو كثروا..
وقوله: (وكان الله عزيزا حكيما) منيعا في النصر، حكيما في التدبير.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وكان الله عزيزاً حكيماً} فذكر صفة العزة من حيث تقدم الانتقام من الكفار، وفي التي قبل قرن بالحكمة والعلم من حيث وعده بمغيبات، وقرن باللفظتين ذكر جنود الله تعالى التي منها السكينة ومنها نقمة من المنافقين والمشركين، فلكل لفظ وجه من المعنى، وقال ابن المبارك في كتاب النقاش: جنود الله في السماء، الملائكة، وفي الأرض الغزاة في سبيل الله...
المسألة الأولى: ما الفائدة في الإعادة؟
نقول: لله جنود الرحمة وجنود العذاب أو جنود الله إنزالهم قد يكون للرحمة، وقد يكون للعذاب؛ فذكرهم أولا لبيان الرحمة بالمؤمنين قال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما}، وثانيا لبيان إنزال العذاب على الكافرين...
المسألة الثالثة: ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة، وذكرهم هاهنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جنهم، نقول فيه ترتيب حسن لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله {ويكفر عنهم سيئاتهم} كما بينا، ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله {وكان ذلك عند الله فوزا عظيما} وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود، فالجنود في الرحمة أولا ينزلون ويقربون آخرا، وأما في الكافر فيغضب عليه أولا فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم} ولذلك ذكر جنود الرحمة أولا والقربة بقوله عند الله آخرا، وقال هاهنا {غضب الله عليهم ولعنهم} وهو الإبعاد أولا وجنود السموات والأرض آخرا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولله} أي الملك الأعظم {جنود السماوات والأرض} فهو يسلط ما يشاء منها على من يشاء. ولما كان ما ذكر من عذاب الأعداء وثواب الأولياء متوقفاً على تمام العلم ونهاية القدرة التي يكون بها الانتقام والسطوة قال تعالى: {وكان الله} الملك الذي لا أمر لأحد مع أزلاً وأبداً {عزيزاً} يغلب ولا يغلب {حكيماً} يضع الشيء في أحكم مواضعه، فلا يستطاع نقض شيء مما ينسب إليه سبحانه وتعالى...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
كررها ليفيد تغليب الجنود الأرضية على السماوية في المنافقين والمشركين، بعكس ما فعل بالمؤمنين. وبدّل {عليما} بقوله: {عزيزا} ليفيد معنى القهر والقمع، لأن العلم من باب اللطف، والعزة من باب القهر...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
خلاصة ما سلف: إنه قد ترتب على هذا الفتح أربعة أشياء للنبي صلى الله عليه وسلم: مغفرة الذنوب. اجتماع الملك والنبوة. الهداية إلى الصراط المستقيم. العزة والمنعة. وفاز المؤمنون بأربعة أشياء: الطمأنينة والوقار. ازدياد الإيمان. دخول الجنات. تكفير السيئات. وجازى الكفار بأربعة أشياء: العذاب. الغضب. اللعنة. دخول جهنم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد جمع الله في الآية أعداء الإسلام والمسلمين من شتى الأنواع؛ وبين حالهم عنده، وما أعده لهم في النهاية. ثم عقب على هذا بما يفيد قدرته وحكمته: (ولله جنود السماوات والأرض، وكان الله عزيزا حكيما).. فلا يعييه من أمرهم شيء، ولا يخفى عليه من أمرهم شيء، وله جنود السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم.