مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (7)

وقوله تعالى : { ولله جنود السموات والأرض } قد تقدم تفسيره ، وبقي فيه مسائل :

المسألة الأولى : ما الفائدة في الإعادة ؟ نقول لله جنود الرحمة وجنود العذاب أو جنود الله إنزالهم قد يكون للرحمة ، وقد يكون للعذاب فذكرهم أولى لبيان الرحمة بالمؤمنين قال تعالى : { وكان بالمؤمنين رحيما } وثانيا لبيان إنزال العذاب على الكافرين .

المسألة الثانية : قال هناك { وكان الله عليما حكيما } وهنا { وكان الله عزيزا حكيما } لأن قوله { ولله جنود السموات والأرض } قد بينا أن المقصود من ذكرهم الإشارة إلى شدة العذاب فذكر العزة كما قال تعالى : { أليس الله بعزيز ذي انتقام } وقال تعالى : { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } وقال تعالى : { العزيز الجبار } .

المسألة الثالثة : ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة ، وذكرهم هاهنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جنهم ، نقول فيه ترتيب حسن لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله { ويكفر عنهم سيئاتهم } كما بينا ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله { وكان ذلك عند الله فوزا عظيما } وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود فالجنود في الرحمة أولا ينزلون ويقربون آخرا وأما في الكافر فيغضب عليه أولا فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى : { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم } ولذلك ذكر جنود الرحمة أولا والقربة بقوله عند الله آخرا ، وقال هاهنا { غضب الله عليهم ولعنهم } وهو الإبعاد أولا وجنود السموات والأرض آخرا .