وعاد القوم إلى أصنامهم بعد تركهم إياها لفترة من الوقت ، فوجدوها قد تحطمت إلا ذلك الكبير ، فأصابهم ما أصابهم من الذهول والعجب ، ويصور القرآن الكريم ذلك فيقول : { قَالُواْ مَن فَعَلَ . . . } .
أى : وحين رجع القوم من عيدهم ورأوا ما حل بأصنامهم " قالوا " على سبيل الفتجع والإنكار : " من فعل هذا " الفعل الشنيع " بآلهتنا " التى نعظمها " إنه " أى هذا الفاعل " لمن الظالمين " لهذه الآلهة . لإقدامه على إهانتها وهى الجديرة بالتعظيم - فى زعمهم - ، ولمن الظالمين لنفسه حيث سيعرضها للعقوبة منا .
وقول قومه { من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين } يدل على أنهم لم يخطر ببالهم أن يكون كبير الآلهة فَعل ذلك ، وهؤلاء القوم هم فريق لم يسمع توعد إبراهيم إياهم بأن يكيد أصنامهم والذين { قالوا سمعنا فتى يذكرهم } هم الذين توعد إبراهيم الأصنام بمسمع منهم .
والفتى : الذكر الذي قوي شبابه . ويكون من الناس ومن الإبل . والأنثى : فتاة ، وقد يطلقونه صفة مدح دالة على استكمال خصال الرجل المحمودة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم لما رأوا آلهتهم قد جُذّت، إلا الذي رَبَط به الفأسَ إبراهيم:"من فعل هذا بآلهتنا"؟ إن الذي فعل هذا بآلهتنا لمن الظالمين، أي لمن الفاعلين بها ما لم يكن له فعله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} لو تأملوا كانوا لهم الظلمة في الحقيقة لأنهم كانوا يعبدون تلك الأصنام رجاء منفعة تكون لهم حين قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] وقالوا: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] فإذا رأوهم لا يقدرون على دفع الكسر والقطع عن أنفسهم ودفع من فعل بهم ذلك كيف طمعوا منها نفعا أو دفع الضر عن أنفسهم، لأن من عجز عن [دفع الضر عن نفسه فهو] عن دفعه عن غيره أعجز.
فهم الظلمة في الحقيقة حين طمعوا النفع ودفع الضر ممن لا يملك ذلك لنفسه. لكن قالوا ذلك سفها منهم.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(قالوا من فعل هذا بآلهتنا) فيه تقدير، وهو أنهم رجعوا ودخلوا على الأصنام، فلما رأوها قالوا كذلك. وقوله: (إنه لمن الظالمين) أي: من المجرمين.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أي أن من فعل هذا الكسر والحطم لشديد الظلم، معدود في الظلمة: إمّا لجرأته على الآلهة الحقيقة عندهم بالتوقير والإعظام، وإمّا لأنهم رأوا إفراطاً في حطمها وتمادياً في الاستهانة بها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{قالوا من فعل هذا} على جهة البحث والإنكار.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{إنه لمن الظالمين} بتوريط نفسه للهلاك.
تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :
الاستفهام حقيقي إذ لا يدرون الفاعل فهم يريدون أن يعين لهم، وفى ضمنه توبيخ وإنكار.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقول قومه {من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} يدل على أنهم لم يخطر ببالهم أن يكون كبير الآلهة فَعل ذلك، وهؤلاء القوم هم فريق لم يسمع توعد إبراهيم إياهم بأن يكيد أصنامهم.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
جزعوا وأحسوا بضعف آلهتهم وضعف عبادتهم لها، وأخذوا يسألون مستفهمين متعجبين هلعين {من فعل هذا بآلهتنا} متحسرين على ما أصاب هذه التماثيل من الحطم والتفتيت وجعلها فتاتا متكسرا، وقالوا: {إنه لمن الظالمين} أكدوا ظلمه ب"إن" وباللام، وبوصفه بأنه ظالم مؤكد ظلمه، معدود في عداد الظالمين.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وجاءوا إلى المعبد ليمارسوا طقوس العبادة المألوفة لديهم، واكتشفوا طبيعة الحدث، وثارت بهم الحمية، وأقبلوا عليه من كل مكان، بعد أن شاع الخبر في الاعتداء على الآلهة، وبدأوا يتساءلون فيما بينهم لاكتشاف المعتدي الذي تجرأ على المقدسات، {قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} وأي ظلم أعظم من أن يسيء إنسان إلى مقام الآلهة المقدسة التي تملك حق التعظيم والاحترام على الجميع، وتمثل الكرامة الاجتماعية للناس كلهم؟ فلا بد من اكتشافه لينال الجزاء العادل على جريمته.