الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالُواْ مَن فَعَلَ هَٰذَا بِـَٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (59)

قوله تعالى : " قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " المعنى لما رجعوا من عيدهم ورأوا ما أحدث بآلهتهم ، قالوا على جهة البحث والإنكار : " من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " . وقيل : " من " ليس استفهاما ، بل هو ابتداء وخبره " لمن الظالمين " أي فاعل هذا ظالم . والأول أصح لقوله : " سمعنا فتى يذكرهم " وهذا هو جواب " من فعل هذا " . والضمير في " قالوا " للقوم الضعفاء الذين سمعوا إبراهيم ، أو الواحد على ما تقدم . ومعنى " يذكرهم " يعيبهم ويسبهم فلعله الذي صنع هذا . واختلف الناس في وجه رفع إبراهيم ، فقال الزجاج : يرتفع على معنى يقال له هو إبراهيم ، فيكون [ خبر مبتدأ ]{[11287]} محذوف ، والجملة محكية . قال : ويجوز أن يكون رفعا على النداء وضمه بناء ، وقام له مقام ما لم يسم فاعله . وقيل : رفعه على أنه مفعول ما لم يسم فاعله ، على أن يجعل إبراهيم غير دال على الشخص ، بل يجعل النطق به دالا على بناء هذه اللفظة أي يقال له هذا القول وهذا اللفظ ، كما تقول زيد وزنُ فعل ، أو زيد ثلاثة أحرف ، فلم تدل بوجه الشخص ، بل دللت بنطقك على نفس اللفظة . وعلى هذه الطريقة تقول : قلت إبراهيم ، ويكون مفعولا صحيحا نزلته منزلة قول وكلام ، فلا يتعذر بعد ذلك أن يبني الفعل فيه للمفعول . هذا اختيار ابن عطية في رفعه . وقال الأستاذ أبو الحجاج الإشبيلي الأعلم : هو رفع على الإهمال . قال ابن عطية : لما رأى وجوه الرفع كأنها لا توضح المعنى الذي قصدوه ، ذهب إلى رفعه بغير شيء ، كما قد يرفع التجرد والعرو عن العوامل الابتداء . والفتى الشاب والفتاة الشابة . وقال ابن عباس : ما أرسل الله نبيا إلا شابا . ثم قرأ : " سمعنا فتى يذكرهم " .


[11287]:في الأصول: "فيكون مبتدأ وخبره محذوف" وهو تحريف.