قوله تعالى : { حكمة بالغة } يعني : القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية في الزجر { فما تغني النذر } يجوز أن تكون " ما " نفياً ، على معنى : فليست تغني النذر ، ويجوز أن يكون استفهاماً ، والمعنى : فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم ؟ كقوله : { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون }( يونس-101 ) والنذر : جمع نذير .
وذلك { حِكْمَةٌ } منه تعالى { بَالِغَةٌ } أي : لتقوم حجته على المخالفين{[926]} ولا يبقى لأحد على الله حجة بعد الرسل ، { فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } كقوله تعالى : { وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ لا يؤمنوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }
وقوله - تعالى - : { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } بدل من " ما " أو خبر لمبتدأ محذوف .
والحكمة : العلم النافع الذى يترتب عليه تحرى الصواب فى القول والفعل .
أى : هذا الذى جاءهم من أنباء الماضين ، ومن أخبار السابقين فيه ما فيه عن الحكم البليغة ، والعظات الواضحة التى لا خلل فيها ولا اضطراب .
و " ما " فى قوله : { فَمَا تُغْنِ النذر } نافية ، والنذُر : جمع نذير بمعنى مُنذِر .
أى : لقد جاء إلى هؤلاء المشركين من الأخبار ومن الحكم البليغة ما يزجرهم عن ارتكاب الشرور ، وما فيه إنذار لهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا فى غيهم ، ولكن كل ذلك لا غناء فيه ، ولا نفع من ورائه لهؤلاء الجاحدين المعاندين الذين عمو وصموا . . .
ويصح أن تكون " ما " هنا ، للاستفهام الإنكارى . أى : ما الذى تغنيه النذر بالنسبة لهؤلاء المصرين على الكفر ؟ إنها لا تغنى شيئا ما داموا لم يفتحوا قلوبهم للحق :
وقوله : { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } أي : في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله لمن أضله ، { فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } يعني {[27771]} : أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة ، وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الآية كقوله تعالى : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [ الأنعام : 149 ] ، وكذا قوله تعالى : { وَمَا تُغْنِي {[27772]} الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] .
وقوله : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ يعني بالحكمة البالغة : هذا القرآن ، ورُفعت الحكمةُ ردّا على «ما » التي في قوله : وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الأنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ .
وتأويل الكلام : ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدَجَر ، حكمة بالغة . ولو رُفعت الحكمة على الإستئناف كان جائزا ، فيكون معنى الكلام حينئذٍ : ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدجر ، ذلك حكمة بالغة ، أو هو حكمة بالغة فتكون الحكمة كالتفسير لها .
وقوله : فَمَا تُغْنِي النّذُرُ وفي «ما » التي في قوله : فَمَا تُغنِي النّذُرُ وجهان : أحدهما أن تكون بمعنى الجحد ، فيكون إذا وجهت إلى ذلك معنى الكلام ، فليست تغني عنهم النذر ولا ينتفعون بها ، لإعراضهم عنها وتكذيبهم بها . والاَخر : أن تكون بمعنى : أني ، فيكون معنى الكلام إذا وجهت إلى ذلك : فأيّ شيء تُغني عنهم النّذر . والنّذر : جمع نذير ، كالجُدُد : جمع جديد ، والحُصُر : جمع حَصير .
وقوله : { حكمة } مرتفع إما على البدل من { ما } في قوله : { ما فيه } ، وإما على خبر ابتداء تقديره : هذه حكمة و : { بالغة } معناه : يبلغ المقصد بها من وعظ النفوس والبيان لمن له عقل . وقوله : { فما تغني النذر } ، يحتمل أن تكون { ما } نافية ، أي ليس تغني مع عتو هؤلاء الناس ، ويحتمل أن تكون { ما } استفهاماً بمعنى التقرير ، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.