تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ} (5)

الآيتان 4 و5 وقوله تعالى : { ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مُزدَجر } { حكمة بالغة } يحتمل قوله : { ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مُزدَجر } وجاءتهم حكمة بالغة ، وهو القرآن . ويحتمل أن يكون معناه : { ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مُزدجر } وفي تلك الأنباء حكمة بالغة .

ثم الأنباء التي فيها مُزدَجر حكمة بالغة ، وهي ما ذكر في هذه السورة من أنباء عاد وثمود وقوم نوح وموسى ، فقد جاءهم أنباء هؤلاء ، وعرفوا ما نزل بهم من العذاب والإهلاك ، وبأي شيء نزل بهم ، وهو تكذيب الرسل عليهم السلام ليرتدعوا عن مثل صنيعهم ، فلا يلحقهم مثل ما يلحق أولئك ، والبالغة هي{[20149]} النهاية في الأمر ، يقال بالغ في العلم إذا انتهى في ذلك نهايته .

وقال القتبيّ : { مزدجر } أمر متّعظ . وقال أبو عوسجة : { مزدجر } أي زاجر .

وقوله تعالى : { فما تُغْنِ النُّذُر } يقول ، والله أعلم : قد جاءهم ما ذكر من الأنباء التي فيها مُزدَجر وإنذار ، فلم يزجرهم ذلك ، ولم ينفعهم ، فأنّى تُغن النُّذر ؟ ومن أين تنفعهم النذر ؟ أي لا تُغنيهم .

ثم النّذر تحتمل وجهين :

أحدهما : { النّذر } [ الرسل ]{[20150]} عليهم السلام جمع نذير .

والثاني : ما تقع به النذارة ، وهي الأنباء التي أنذر الرسل بها ، وحذّروا بذلك .

يقول : فما يُغنيهم قول الرسل ولا خوف ما بلغهم من القصص التي فيها تعذيب الكفرة بتكذيب الرسل عليهم السلام وترك اتّباعهم ، والله أعلم .


[20149]:من م، في الأصل: في.
[20150]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.