أحدهما : أنه بدل من { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } كأنه قيل : ولقد جاءهم حكمة بالغة من الأنباء ، وحينئذ يكون بدل كل من كل ، أو بدل اشتمال .
الثاني : أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هو حكمة بالغةٌ{[53875]} ، أي ذلك الذي جاءهم من إرسال الرسل وإيضاح الدلائل ، والإنذار لمن مضى ، أو إشارة لما فيه الأنباء أنه حكمة ، أو إشارة إلى الساعة المقتربة . وقد تقدم أنه يجوز على قراءة أبي جعفر وزيد أن يكون خبراً ل { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } . وقرئ «حِكْمَةً » بالنصب حالاً من «ما »{[53876]} .
قال الزمخشري : فإن قلت : إن كانت «ما » موصولة ساغ لك أن تنصب «حكمة » حالاً فكيف تعمل إن كانتْ موصوفة وهو الظاهر ؟
قلت : تَخَصُّصها بالصفة فيحسن نصب الحال عنها . انتهى{[53877]} .
وهو سؤال واضح ؛ لأنه يصير التقدير : جاءهم من الأنْبَاء شيء فيه ازدجار فيكون منكراً ، وتنكير ذِي{[53878]} الحال قبيحٌ .
قوله : { فَمَا تُغْنِي النذر } يجوز في «ما » أن تكون استفهامية ، وتكون في محل نصب مفعولاً مقدماً أي أَيَّ شَيْء تُغْنِي النذر ؟ وأن تكون نافية أي لم تغن النذر شيئاً{[53879]} .
والنذر جمع نَذِير ؛ والمراد به المصدر أو اسم الفاعل كما تقدم في آخر النجم{[53880]} . وكتب «تغن » إتباعاً للفظ الوصل ، فإنها ساقطة لالتقاء الساكنين{[53881]} .
قال بعض النحويين : وإنما حذفت الياء من «تغني » حملاً لها على «لَمْ » فجزمت كما تجزم «لَمْ » . قال مكي : وهذا خطأ ، لأن «لم » تنفي الماضي وترُدُّ المستقبل ماضياً ، و«ما » تنفي الحال ، فلا يجوز أن يقع إحداهما موقع الأخرى لاختلاف مَعْنَيَيْهِمَا{[53882]} .
المعنى أن القرآن حكمة بالغة تامة قد بلغت الغاية . وقوله : { فَمَا تُغْنِي النذر } إن كانت «ما » نافية فالمعنى أن النذر لم يبعثوا ليغنوا ويلجئوا قومهم إلى الإيمان ، وإنما أرسلوا مبلغين كقوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ }{[53883]} [ الشورى : 48 ] ويؤيد هذا قوله : «فَتَولَّ عَنْهُمْ » وإن كانت استفهامية فالمعنى : وأي شيءٍ تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم ؟ كقوله : { وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي إنك أتيت بما عليك من الدعوى فكذبوا بها وأنذرتهم بما جرى على المكذبين ، فلم يفدهم فهذه حكمة بالغة وما الذي تغني النذر غير هذا فلم يبق عليك شيء آخر ؟ فتول عنهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.