ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه أتباع إبليس من النكال والعذاب الشديد ذكر ما أعد لأوليائه من الفضل العظيم والنعيم المقيم فقال :
{ 45 - 50 } { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ }
يقول تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ } الذين اتقوا طاعة الشيطان وما يدعوهم إليه من جميع الذنوب والعصيان { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } قد احتوت على جميع الأشجار وأينعت فيها جميع الثمار اللذيذة في جميع الأوقات .
وقوله - سبحانه - { إن المتقين . . . } كلام مستأنف لإِظهار حسن عاقبة المتقين ، بعد بيان سوء عاقبة الغاوين .
والمتقون : جمع متق اسم فاعل من اتقى . وأصله اوتقى - بزنة افتعل - من وقى الشىء وقاية ، أى : صانه وحفظه مما يضره ويؤذيه .
والجنات : جمع جنة ، وهى كل بستان ذى شجر متكاثف ، ملتف الأغصان ، يظلل ما تحته ويستره . من الجن وهو ستر الشىء عن الحاسة . .
والمراد بها هنا الدار التي أعدها الله - تعالى - لتكريم عباده المؤمنين في الآخرة .
والعيون جمع عين . والمقصود بها هنا المياه المنتشرة في الجنات .
والمعنى : { إن المتقين } الذين صانوا أنفسهم عن الشرك . وقالوا ربنا الله ثم استقاموا { فى جنات } عالية ، فيها ما تشتهيه الأنفس ، وفيها منابع للماء تلذ لها الأعين .
وبمناسبة ذكر مصير الغاوين يذكر مصير المخلصين :
( إن المتقين في جنات وعيون . ادخلوها بسلام آمنين . ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين . لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ) .
والمتقون هم الذين يرقبون الله ويقون أنفسهم عذابه وأسبابه . ولعل العيون في الجنات تقابل في المشهد تلك الأبواب في جهنم .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه ، فتجنبوا معاصيه في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ يقال لهم : ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ من عقاب الله ، أو أن تُسلبوا نعمة الله عليكم وكرامة أكرمكم بها . قوله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ يقول : وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض .
واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم ، فقال بعضهم : ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن بشر البصري ، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أُمامة ، قال : يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن ، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غلّ . ثم قرأ : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو فضالة ، عن لقمان ، عن أبي أمامة ، قال : لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينزع الله ما في صدورهم من غلّ ، ثم ينزع منه السبع الضاري .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسرائيل ، عن أبي موسى سمع الحسن البصري يقول : قال عليّ : فينا والله أهل بدر نزلت الاَية : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : من عداوة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : العداوة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب ، عن رجل ، عن عليّ : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : العداوة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على عليّ ، فحجبه طويلاً ، ثم أذن له فقال له : أما أهل البلاء فتجفوهم قال عليّ : بفيك التراب إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جعفر ، عن عليّ نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبان بن عبد الله البجلي ، عن نعيم بن أبي هند ، عن ربْعِيّ بن حِرَاش ، بنحوه ، وزاد فيه : قال : فقام إلى عليّ رجل من هَمْدان ، فقال : الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين قال : فصاح عليّ صيحة ظننت أن القصر تَدَهْدَهَ لها ، ثم قال : إذا لم نكن نحن فمن هم ؟
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حبيبة مولى لطلحة ، قال : دخل عمران بن طلحة على عليّ بعد ما فرغ من أصحاب الجمل ، فرحّب به وقال إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله : إخْوانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ورجلان جالسان على ناحية البساط ، فقالا : الله أعدل من ذلك ، تقتلهم بالأمس وتكونون إخوانا ؟ فقال عليّ : قُومَا أبعد أرضها وأسحقها فمن هم إذن إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر لنا أبو معاوية الحديث بطوله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا أبو مالك ، قال : حدثنا أبو حبيبة ، قال : قال عليّ لابن طلحة : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين نَزَعَ الله ما في صدورهم من غلّ ويجعلنا إخوانا على سرر متقابلين .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حماد بن خالد الخياط ، عن أبي الجويرية ، قال : حدثنا معاوية بن إسحاق ، عن عمران بن طلحة ، قال : لما نظرني عليّ قال : مرحبا بابن أخي فذكر نحوه .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا هشام ، عن محمد ، قال : استأذن الأشتر على عليّ وعنده ابنٌ لطلحة ، فحبسه ثم أذن له ، فلما دخل قال : إني لأراك إنما حبستني لهذا قال : أجل . قال : إني لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني قال : أجَل ، إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، قال : أخبرنا عوف ، عن سيرين ، بنحوه .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا السكن بن المغيرة ، قال : حدثنا معاوية ابن راشد ، قال : قال عليّ : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : حدثنا ابن المتوكل الناجي ، أن أبا سعيد الخدريّ حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يَخْلُصُ المُوءْمِنُونَ مِنَ النّارِ فَيُحْبَسُونَ على قَنْطَرَة بينَ الجَنّةِ والنّارِ ، فَيُقْتَصّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظالِمَ كانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدّنْيا حتى إذَا هُذّبُوا ونُقّوا أُذِنَ لَهُمْ في دُخُولِ الجَنّة » قالَ : «فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بيَدِهِ ، لأَحَدُهُمْ أهْدَى بِمَنْزِلِهِ في الجَنّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ الّذِي كانَ فِي الدّنْيا » وقال بعضهم : ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الاَية : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ قال : حدثنا قتادة أن أبا المتوكل الناجي حدثهم أن أبا سعيد الخدريّ حدثهم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه ، إلى قوله «وأذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنّةِ » ثم جعل سائر الكلام عن قتادة . قال : وقال قتادة : فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزله . ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث بشر غير أن الكلام إلى آخره عن قتادة ، سوى أنه قال في حديثه : قال قتادة وقال بعضهم : ما يشبّه بهم إلا أهل الجمعة إذا انصرفوا من الجمعة .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا عمر بن زرعة ، عن محمد بن إسماعيل الزبيدي ، عن كثير النواء ، قال سمعته يقول : دخلت على أبي جعفر محمد بن عليّ ، فقلت : وليي وليكم ، وسلمي سِلْمكم ، وعدوّي عدوّكم ، وحربي حربكم إني أسألك بالله ، أتبرأ من أبي بكر وعمر ؟ فقال : قد ضَلَلْتُ إذا وما أنا من المهتدين ، توّلهما يا كثير ، فما أدركك فهو في رقبتي ثم تلا هذه الاَية : إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ يقول : إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض ، لا يستدبره فينظر في قفاه .
وكذلك تأوّله أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا حصين ، عن مجاهد ، في قوله : على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ قال : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
والسرر : جمع سرير ، كما الجدد جمع جديد وجمع سررا وأظهر التضعيف فيها والراءان متحرّكتان لخفة الأسماء ، ولا تفعل ذلك في الأفعال لثقل الأفعال ، ولكنهم يُدْغمون في الفعل ليسكن أحد الحرفين فيخفف ، فإذا دخل على الفعل ما يسكن الثاني أظهروا حينئذٍ التضعيف .
استئناف ابتدائي ، انتقال من وعيد المجرمين إلى بشارة المتّقين على عادة القرآن في التفنن .
والمتّقون : الموصوفون بالتقوى . وتقدمت عند صدر سورة البقرة .
والجنّات : جمع جنة . وقد تقدمت عند قوله تعالى { أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار } في أول سورة البقرة ( 25 )
والعيون : جمع عين اسم لثقب أرضي يخرج منه الماء من الأرض . فقد يكون انفجارها بدون عمل الإنسان . وأسبابه كثيرة تقدمت عند قوله تعالى : { وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار } في سورة البقرة ( 74 ) . وقد يكون بفعل فاعل وهو التفجير .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه، فتجنبوا معاصيه "في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ "يقال لهم: "ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ" من عقاب الله، أو أن تُسلبوا نعمة الله عليكم وكرامة أكرمكم بها.
"وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ" يقول: وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض... عن ابن عيينة: "وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ" قال: من عداوة.
واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم، فقال بعضهم: ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة...
وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... {في جنات وعيون} أي بساتين، والبساتين هي التي التفت بالأشجار والنخيل، والعيون قد تكون جارية في الدنيا، وقد تكون غير جارية. فأخبر في آية أخرى أن عيون الآخرة تكون جارية بقوله: {فيها عينان تجريان} (الرحمن: 50).
{وعيون} قال بعضهم: ذكر العيون ليعلم أن مياه الجنة ليست تكون من الثلوج والأنهار العظام على ما تكون في الدنيا، ولكن تنبع فيها. وقال بعضهم: ذكر العيون لأنه ينبع في بستان كل أحد عين على حدة، لا تأتي بستانه من ملك آخر ومن بستان آخر على ما يكون في الدنيا، ولكن تنبع في جنة كل أحد عين على حدة على ما أراد الله، ليس أنها تتصل بالأرض كما ذكر في قصة بني إسرائيل: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينات} (البقرة: 60) أن [شاء] الله في ذلك الحجر ماء، يخرج لهم على غير اتصاله بالأرض.
ولكن بلطفه ينشئ فيه ماء، فعلى ذلك في الجنان التي وعد. ويشبه أن يكون ذكر هذا لما تختلف رغائب الناس في الدنيا: منهم من يرغب في العين، ويتلذذ بالنظر إليها، ومنهم من يرغب في النهر الجاري، فذكر مرة العيون ومرة الأنهار كقوله: {تجري من تحتها الأنهار} (البقرة: 25 و...) على ما ذكر مرة الخيام والقباب [ومرة] الغرف وأنواع الفرش والبسط والكيزان والأكواب والجواري والغلمان وغير ذلك على ما يرغب الناس في الدنيا: منهم من يرغب في نوع لا يرغب في نوع آخر، فذكر فيها كل ما يرغبون في الدنيا ليبعثنهم ذلك على العمل الذي به يوصل إلى ذلك..
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لما أخبر الله تعالى عن الكفار أن مستقرهم جهنم، ووصف جهنم، أخبر -ههنا – ما للمتقين، فقال "إن للمتقين "الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل طاعته "جنات" وهي البساتين التي تنبع فيها المياه، كما تفور من الفوارة، ثم يجري في مجاريه، وإنما يشوقهم إلى الثواب بالجنان، لأنها من أسباب لذات الدنيا المؤدية إليها، كما أن النار من أسباب الآلام لمن حصل فيها.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
المتقي على الإطلاق: من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن المتقين} أي العريقين في هذا الوصف؛ والمتقي: من جعل الإيمان بإخلاصه حاجزاً بينه وبين العقاب..
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والمتقون هم الذين يرقبون الله ويقون أنفسهم عذابه وأسبابه. ولعل العيون في الجنات تقابل في المشهد تلك الأبواب في جهنم.
والمتقي هو الذي يحول بين ما يحب وما يكره؛ ويحاول ألا يصيب من يحب ما يكره. وتتعدى التقوى إلى متقابلاتٍ، فنجد الحق سبحانه يقول: {اتقوا الله ويعلمكم الله} (سورة البقرة 282) ويقول أيضاً: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} (سورة البقرة 24) وقلنا من قبل: إن الحق سبحانه له صفات جلال، وصفات كمال وجمال. يهب بصفات الكمال والجمال العطايا، ويهب بصفات الجلال البلايا؛ فهو غفار، وهو قهار، وهو عفو، وهو منتقم. وعلينا أن نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية؛ وأن نجعل بيننا وبين صفات الجمال قربى؛ والطريق أن نتبع منهجه؛ فلا ندخل النار التي هي جند من جنود الله.
وهنا يقول الحق سبحانه: {إن المتقين في جنات وعيون} وهم الذين لم يرتكبوا المعاصي بعد أن آمنوا بالله ورسوله واتبعوا منهجه. وإن كانت المعصية قد غلبت بعضهم، وتابوا عنها واستغفروا الله؛ فقد يغفر الله لهم، وقد يبدل سيئاتهم حسناتٍ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} الذين اتقوا الله في ما فكروا به، فلم يفكروا إلا خيراً، وفي ما تكلموا به، فلم ينطقوا إلا بحق، وفي ما عملوه، فلم يعملوا إلا بطاعة الله، وإذا طاف بهم الشيطان في بعض أمورهم، فإنهم يفتحون عيونهم على الله، فتزول الغشاوة عنهم، ويبصرون الصراط المستقيم في وضوحٍ من الرؤية، ويلتقون بالإيمان في سلامةٍ من التفكير، هؤلاء الذين عاشوا الحياة من مواقع المسؤولية عندما عاشوها في ساحات التقوى، أعد الله لهم جناته التي تتفجر فيها الينابيع بالماء الصافي صفاء نفوسهم، العذب عذوبة مشاعرهم، وأعطاهم فيها روح السلام.
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
الكلمات: {إن المتقين}: أي الذين خافوا ربهم فعبدوه بما شرع لهم من العبادات.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(إِنّ المتقين في جنات وعيون) ويلاحظ أنّ هذه الآية قد اتخذت من صفة (التقوى) أساساً لها، وهي الخوف من اللّه والورع والالتزام، فهي إِذن.. جامعة لكافة صفات الكمال الإنساني.