غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ} (45)

ثم عقب الوعيد بالوعد فقال : { إن المتقين في جنات وعيون } فزعم جمهور المعتزلة أنهم الذين اتقوا جميع المعاصي وإلا لم يفد المدح . وقال جمهور : الصحابة والتابعين هم الذين اتقوا الشرك بالله واحتجوا عليه بأنه إذا اتقى مرة واحدة صدق عليه أنه اتقى ، وكذا الكلام في الضارب والكاتب فليس من شرط صدق الوصف كونه آتياً بجميع أصنافه وأفراده إلا أن الأمة أجمعوا على أن التقوى عن الشرك شرط في حصول هذا الحكم . والآية أيضاً وردت عقيب قوله : { إلا عبادك منهم المخلصين } { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } فلزمه اعتبار الإيمان في هذا الحكم . والظاهر أن لا يراد شرط آخر لأن التخصيص خلاف الظاهر فكلما كان أقل كان أوفق لمقتضى الأصل ، فثبت أن المتقين يتناول جميع القائلين بكلمة الإسلام وهي " لا إله إلا الله محمد رسول الله " قولاً واعتقاداً سواء كان من أهل الطاعة أو من أهل المعصية .

ثم إن الجنات أقلها أربع لقوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمان : 46 ] ثم قال { ومن دونهما جنتان } [ الرحمان : 62 ] وأما العيون فإما أن يراد بها الأنهار المذكورة في قوله : { فيها أنهار من ماء غير آسن } [ محمد : 15 ] الآية وإما أن يراد بها منابع غير ذلك . ثم إن كل واحد من المتقين يحتمل أن يختص بعين وينتفع بها كل من في خدمته من الحور والولدان ويكون ذلك على قدر حاجتهم وعلى حسب شهوتهم . ويحتمل أن يجري من بعضهم إلى بعض لأنهم مطهرون من كل حقد وحسد . فإن قيل : إذا كانوا في جنات فكيف يعقل أن يقول لهم الله تعالى وبعض الملائكة .

/خ50