فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ} (45)

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 45 ) }

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ } أي الذين اتقوا الشرك بالله سبحانه كما قاله جمهور الصحابة والتابعين وهو الصحيح ، وقيل هم الذين اتقوا جميع المعاصي ، وبه قال الجبائي وجمهور المعتزلة والأول أولى ، وأجمعت الأمة على أن التقوى عن الكفر شرط في حصول الحكم بدخول الجنة ، وليس من شرط صدق الوصف بكونه متقيا أن يكون آتيا بجميع أنواع التقوى لأن الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى يكون آتيا بالتقوى كما أن الضارب هو الآتي بالضرب ولو مرة واحدة والقاتل هو الآتي بالقتل ولو مرة واحدة وكل فرد من أفراد الماهية يجب أن يكون مشتملا على تلك الماهية ، وبهذا التحقيق استدلوا على أن الأمر لا يفيد التكرار .

{ فِي جَنَّاتٍ } هي البساتين { وَعُيُونٍ } هي الأنهار الجارية أي مستغرقون فيهما والتركيب يحتمل أن يكون لجميعهم جنات وعيون أو لكل واحد منهم جنات وعيون أي عدة منهما كقوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } أو لكل واحد منهم جنة وعين تجري في قصوره ودوره فينتفع بها هو ومن يختص به من حوره وولدانه ، قال الرازي : يحتمل أن يكون منها ما ذكره الله تعالى في قوله : { مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن } الآية ويحتمل أن يكون المراد من هذه العيون منابع مغايرة لتلك الأنهار .