قوله تعالى : { إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } الآياتِ ، لمَّا شرح أحوال أهل العقاب ، أتبعه بصفة أهل الثَّواب .
وروي أنَّ سلمان الفارسيِّ -رضي الله عنه- لما سمع قوله تعالى : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } مَرَّ ثلاثةُ أيَّام من الخوفِ لا يعقلُ ، فَجيء به إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم فسأله ، فقال : يا رسول الله ، نزلت هذه الآية : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } : فوالذي بعثك بالحق نبيًّا ، لقد قطعت قلبي فأنزل الله –تعالى- { إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } .
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : [ أراد ]{[19539]} بالمتقين : الذين اتقوا الشِّرك بالله تعالى ، والكفر به ، وبه قال جمهور الصحابة ، والتَّابعين{[19540]} .
وهو الصحيح ؛ لأنَّ المتقي هو الآتي بالتقوى مرة واحدة ، كما أن الضَّارب هو الآتي بالضرب ، والقاتل هو الآتي بالقتل مرة واحدة ، فكما أنه ليس من شرط صدق الوصف بكونه ضارباً ، وقاتلاً ، أن يكون آتياً بجميع أنواع الضرب والقتل ، ليس من شرط صدق الوصف بكونه متَّقياً كونه آتياً بجميع أنواع التقوى ؛ لأنَّ الآتي بفردِ واحدٍ من أفراد التقوى ، يكون آتياً بالتقوى ؛ لأنَّ كل فردٍ من أفراد الماهية ، يجب كونه مشتملاً على تلك الماهيَّة ، وبهذا التحقيق استدلُّوا على أنَّ الأمرَ لا يفيد التَّكرار .
وإذا ثبت هذا فنقول : أجمعت الأمة على أنَّ التقوى عن الكفر شرط في حصول الحكم بدخول الجنة .
وقال الجبائي ، وجمهور المعتزلةِ : المتقين : هم الَّذين اتَّقوا جميع المعاصي ، قالوا : لأنه اسم مدحٍ ، فلا يتناولُ إلاَّ من [ كان ]{[19541]} كذلك .
واعلم أنَّ الجنات أربعةٌ ؛ لقوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] ثم قال : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 62 ] فيكون [ المجموع ]{[19542]} أربعة .
قوله : " وعُيُونٍ " : قرأ ابن كثيرٍ ، والأخوان ، وأبو بكر ، وابن ذكوان : بكسر عين " عِيُونٍ " منكراً ، والعينُّ معرف حيث وقع ؛ والباقون{[19543]} : بالضمِّ ، وهو الأصل .
الجنَّاتُ : البَساتِينُ ، والعُيونُ : يحتمل أن يكون المراد بها الأنهار المذكورة في قوله تعالى : { فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } [ محمد : 15 ] ، ويحتمل أن يكون المراد من هذه العيون منافع مغايرة لتلك الأنهار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.