ثم بين ما في صحفهما فقال : { ألا تزر وازرة وزر أخرى } أي : لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى ، ومعناه : لا تؤخذ نفس بإثم غيرها . وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة بأنه يحمل عنه الإثم . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره ، كان الرجل يقتل بذنب أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده ، حتى كان إبراهيم فنهاهم عن ذلك ، وبلغهم عن الله :{ ألا تزر وازرة وزر أخرى } .
و ( أن ) فى قوله - تعالى - : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } مخففة من الثقيلة . واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة بدل من صحف موسى وإبراهيم .
وقوله { تَزِرُ } من الوزر بمعنى الحمل . . وقوله { وَازِرَةٌ } صفة لموصوف محذوف . أى : نفس وازرة .
والمعنى : إذا كان هذا الإنسان المتولى عن الحق . . . جاهلا بكل ما يجب العلم به من شئون الدين ، فهلا سأل العلماء عن صحف موسى وإبراهيم - عليهما السلام - ففيها أنه لا تحمل نفس آثمة حمل أخرى يوم القيامة .
قال الآلوسى : وقوله : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } أى : أنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل ، حمل نفس أخرى . . . ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره . ليتخلص الثانى من عقابه .
وقوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فإن من قوله : ألاّ تَزِرُ على التأويل الذي تأوّلناه في موضع خفض ردّا على «ما » التي في قوله أمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى يعني بقوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى غيرها ، بل كل آثمة فإنما إثمها عليها . وقد بيّنا تأويل ذلك باختلاف أهل العلم فيه فيما مضى قبل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عُبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا أبو مالك الجَنْبي ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك الغفاريّ في قوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى . . . إلى قوله : مِنَ النّذُرِ الأُولى قال : هذا في صحف إبراهيم وموسى .
وإنما عُنِي بقوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الذي ضَمِن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة ، يقول : ألم يُخْبَرْ قائل هذا القول ، وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب : أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى يقول جلّ ثناؤه : أوَ لم يُنَبأ أنه لا يُجازى عامل إلاّ بعمله ، خيرا كان ذلك أو شرّا . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى ، وقرأ إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى قال : أعمالكم .
وذُكر عن ابن عباس أنه قال : هذه الاَية منسوخة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى قال : فأنزل الله بعد هذا وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِم بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِمْ فأدخل الأبناء بصلاح الاَباء الجنة .
{ لا تزر وازرة وزر أخرى } وقال ابن عباس ايضاً والربيع : وفى طاعة الله في أمر ذبح ابنه . وقال الحسن وابن جبير وقتادة وغيره ، وفي تبليغ رسالته والظاهر في ذات ربه ، وقال عكرمة ، وفي هذه العشر الآيات ، { ألا تزر } وما بعدها ، وقال ابن عباس وقتادة وغيره { وفى } ما افترض عليه من الطاعات على وجهها وتكلمت له شعب الإيمان والإسلام فأعطاه الله براءته من النار . قال ابن عباس : وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهماً . وقال أبو أمامة ورفعه إلى النبي عليه السلام { وفى } أربع صلوات في كل يوم ، والأقوى من هذه الأقوال كلها القول العام لجميع الطاعات المستوفية لدين الإسلام ، فروي أنها لم تفرض على أحد مكملة فوفاها الأعلى وإبراهيم ومحمد عليهما السلام ومن الحجة لذلك قوله تعالى : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن }{[10720]} [ البقرة : 124 ] .
وقرأ ابن جبير وأبو مالك وابن السميفع : «وفى » مخففة الفاء ، والخلاف فيما وفى به كالخلاف فيما وفاه على القراءة الأولى التي فسرنا ، ورويت القراءة عن النبي عليه السلام ، وقرأها أبو أمامة{[10721]} .
والوزر : الثقل ، وأنث الوزارة إما لأنه أراد النفس وإما أراد المبالغة كعلامة ونسابة وما جرى مجراها و «أن » في قوله : { ألا تزر } مخففة من الثقيلة ، وتقديرها أنه لا تزر ، وحسن الحائل بينها وبين الفعل ان بقي الفعل مرتفعاً ، فهي كقوله : { علم أن سيكون منكم مرضى }{[10722]} [ المزمل : 20 ] ونحوه ، و «أن » في موضع رفع أو خفض ، كلاهما مرتب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.