اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ} (38)

قوله : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } «أن » مخففة من الثقيلة واسمها محذوف هو ضمير الشأن و«لاَ تَزِرُ » هو الخبر . وجيء بالنفي لكون الخبر جملة فعلية متصرفة غير مقرونة كما تقدم تحريره في المائدة . و«أن » وما في حيّزها فيها قولان :

أظهرهما : الجر بدلاً من «ما » في قوله { بما في صحف } .

والثاني : الرفع خبراً لمبتدأ مضمر أي ذَلِك أن لا تزرُ أو هو أن لا تزرُ . وهو جواب لسؤال مقدر ؛ كأن قائلاً قال : وما في صحفهما ؟ فأجيبَ بذلك{[53677]} .

قال شهاب الدين : ويجوز أن يكون نصباً بإضمار «أعني » جواباً لذلك السائل وكل موضع أضمر فيه هذا المبتدأ لهذا المعنى أضمر فيه هذا الفِعل{[53678]} .

فصل

معنى الآية : أنه لا تحمل نفسٌ حِمْلَ أخرى أي لا تُؤخَذُ نفس بإثم غيرها . وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإِثم .

وروى عكرمة عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[53679]} قال : كانوا قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يأخذون الرجل بذنب غيره وكان الرجل يُقْتَلُ بقَتْل أبيه وابنه وأخواته حتى جاءهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله عز وجل أن لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرى{[53680]} .

فإن قيل : الآية مذكورة لبيان أن وِزْرَ الرجل لا يحمل عنه وبهذا الكلام لا تحصل هذه الفائدة ، لأن الوَازِرَةَ تكون مثقلةً بوِزْرِها وكل أحد يعلم أنها لا تحمل شيئاً فلو قال : لا تحمل فارغة وزر أخرى كان أبلغ .

فالجواب : أن المراد من الوَازِرَةِ هي التي يتوقع منها الوزر والحمل لا التي وَزَرت وحَمَلَتْ{[53681]} .

ونقل القرطبي عن أبي مالك الغِفاريّ قال : قوله تعالى : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } إلى قوله : { فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تتمارى } في صحف إبراهيم{[53682]} وموسى .


[53677]:بتوضيح لما في التبيان 1189.
[53678]:الدر المصون مخطوط بمكتبة الإسكندرية لوحة رقم 117.
[53679]:زيادة من أ الأصل.
[53680]:البغوي في معالم التنزيل 6/268 والخازن في لباب التأويل 6/268 وما بين القوسين زيادة من أ.
[53681]:نقله الرازي في تفسيره 15/15.
[53682]:الجامع في أحكام القرآن للإمام القرطبي 17/113 و114.