الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ} (38)

{ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } روى عكرمة وطاووس عن ابن عباس قال : كانوا قبل إبراهيم صلوات الله عليه يأخذون الرجل بذنب غيره ، ويأخذون الولي بالولي في القتل ، حتى أنّ الرجل يُقتل بأبيه وأخيه وابنه وعمه وخاله ، والزوج يُقتل بامرأته ، والسيد يُقتل بعبده ، حتى كان إبراهيم عليه السلام فنهاهم عن ذلك وبلّغهم عن الله { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } .

وقال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد : عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربّه الى خلقه مجاهد : وفّى بما فرض عليه . ربيع : وفّى رؤياه وقام بذبح ابنه . عطاء الخراساني : استعمل الطاعة . أبو العالية : وفّى بتمام الإسلام وهو قوله :

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] ، وما ابتلى بهذا الدين أحد فأقام سهامه كلها إلاّ إبراهيم ، والتوفية : الاتمام . فقال : وفيت عليه حقّه ووفرته ، قال الله سبحانه :

{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } [ فاطر : 30 ] . سفيان بن عيينة : أدّى الأمانة . الضحّاك : وفّى بشأن المناسك . عطاء بن السائب : بلغني أن إبراهيم كان عهد أن لا يسأل مخلوقاً شيئاً ، فلمّا قُذف في النار وأتاه جبريل فقال : ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، فأثنى الله سبحانه وتعالى عليه بقيامه بما قال ووفائه بما عهد فقال عز من قائل : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } . الحسين ابن الفضل : وفّى بشأن الأضياف حتى سمّي أبا الأضياف . أبو بكر الورّاق : قام بشرط ما ادّعى ، وذلك ان الله سبحانه قال له : أسلم قال : اسلمت ، فطالبه الله سبحانه بصحة دعواه ، فابتلاه في ماله وولده ونفسه ، فوجده في ذلك كلّه وافياً ، فقال سبحانه { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } أي ادعى الاسلام ثم صحح دعواه .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية قولان :

أحدهما : ما أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا حسين ، قال : حدّثنا ابن لهيعة قال : حدّثنا ريان بن فائد عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " ألا أُخبركم لِمَ سمّى تعالى إبراهيم خليله الذي وفّى ؛ لأنه كان يقول كلّما أصبح وأمسى : ( سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) حتى تختم الآية " .

والآخر : ما أخبرنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدّثنا أحمد بن الفرج المقري ، قال : حدّثنا أبو عمر ، قال : حدّثنا نصر بن علي قال : أخبرنا معمر بن سليمان عن جعفر عن القاسم عن أبي أمانة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : " أتدرون بما وفّى ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : وفّى : يعني عمل يومه بأربع ركعات كان يصلّيهن من أول النهار .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ملك قال : حدّثنا ابن حنبل ، قال : حدّثنا أبي : قال : حدّثنا ابن مهدي ، قال : حدّثنا معاوية عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله تعالى : يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " " .

وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة قال : حدّثنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم قال : حدّثنا نصر بن علي قال : حدّثنا المعمر بن سليمان ، قال : حدّثنا محمد بن المعتصم ابو جميل عن أبي يزيد عن سعيد بن جبير أنه قرأ { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } خفيفة .

فأما الجامع بين قوله سبحانه : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } وبين قوله :

{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] فهو ما قال الحسين بن الفضل : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } طوعاً ،

{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] كرهاً .

أخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، قال : حدّثنا يحيى بن عبدالحميد ، قال : حدّثنا عبدالله بن أياد بن لقيط " عن أبي رمتة ، قال : انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال لي أبي : أتدري من هذا ؟ ، هذا رسول الله . قال : فاقشعررت عن ذلك حين قال لي ، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يشبه الناس ، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء وعليه ثوبان أخضران ، فسلّم عليه أبي ، ثم جلسنا فتحدّثنا ساعة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي : " هذا ابنك ؟ " قال أبي : ورب الكعبة حقاً أشهد به ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً من تثبيت شبهي في أبي ، ومن حلف أبي عليّ قال : " أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } . ثم نظر أبي إلى مثل السلعة بين كتفيه ، فقال : يا رسول الله إني أُطبّب الرجال ، ألا أُعالجها لك ؟ قال : " لا طبيبها الذي خلقها " " .