{ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } روى عكرمة وطاووس عن ابن عباس قال : كانوا قبل إبراهيم صلوات الله عليه يأخذون الرجل بذنب غيره ، ويأخذون الولي بالولي في القتل ، حتى أنّ الرجل يُقتل بأبيه وأخيه وابنه وعمه وخاله ، والزوج يُقتل بامرأته ، والسيد يُقتل بعبده ، حتى كان إبراهيم عليه السلام فنهاهم عن ذلك وبلّغهم عن الله { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } .
وقال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد : عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربّه الى خلقه مجاهد : وفّى بما فرض عليه . ربيع : وفّى رؤياه وقام بذبح ابنه . عطاء الخراساني : استعمل الطاعة . أبو العالية : وفّى بتمام الإسلام وهو قوله :
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] ، وما ابتلى بهذا الدين أحد فأقام سهامه كلها إلاّ إبراهيم ، والتوفية : الاتمام . فقال : وفيت عليه حقّه ووفرته ، قال الله سبحانه :
{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } [ فاطر : 30 ] . سفيان بن عيينة : أدّى الأمانة . الضحّاك : وفّى بشأن المناسك . عطاء بن السائب : بلغني أن إبراهيم كان عهد أن لا يسأل مخلوقاً شيئاً ، فلمّا قُذف في النار وأتاه جبريل فقال : ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، فأثنى الله سبحانه وتعالى عليه بقيامه بما قال ووفائه بما عهد فقال عز من قائل : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } . الحسين ابن الفضل : وفّى بشأن الأضياف حتى سمّي أبا الأضياف . أبو بكر الورّاق : قام بشرط ما ادّعى ، وذلك ان الله سبحانه قال له : أسلم قال : اسلمت ، فطالبه الله سبحانه بصحة دعواه ، فابتلاه في ماله وولده ونفسه ، فوجده في ذلك كلّه وافياً ، فقال سبحانه { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } أي ادعى الاسلام ثم صحح دعواه .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية قولان :
أحدهما : ما أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا حسين ، قال : حدّثنا ابن لهيعة قال : حدّثنا ريان بن فائد عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " ألا أُخبركم لِمَ سمّى تعالى إبراهيم خليله الذي وفّى ؛ لأنه كان يقول كلّما أصبح وأمسى : ( سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) حتى تختم الآية " .
والآخر : ما أخبرنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدّثنا أحمد بن الفرج المقري ، قال : حدّثنا أبو عمر ، قال : حدّثنا نصر بن علي قال : أخبرنا معمر بن سليمان عن جعفر عن القاسم عن أبي أمانة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : " أتدرون بما وفّى ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : وفّى : يعني عمل يومه بأربع ركعات كان يصلّيهن من أول النهار .
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ملك قال : حدّثنا ابن حنبل ، قال : حدّثنا أبي : قال : حدّثنا ابن مهدي ، قال : حدّثنا معاوية عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله تعالى : يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " " .
وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة قال : حدّثنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم قال : حدّثنا نصر بن علي قال : حدّثنا المعمر بن سليمان ، قال : حدّثنا محمد بن المعتصم ابو جميل عن أبي يزيد عن سعيد بن جبير أنه قرأ { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } خفيفة .
فأما الجامع بين قوله سبحانه : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } وبين قوله :
{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] فهو ما قال الحسين بن الفضل : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } طوعاً ،
{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] كرهاً .
أخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، قال : حدّثنا يحيى بن عبدالحميد ، قال : حدّثنا عبدالله بن أياد بن لقيط " عن أبي رمتة ، قال : انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال لي أبي : أتدري من هذا ؟ ، هذا رسول الله . قال : فاقشعررت عن ذلك حين قال لي ، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يشبه الناس ، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء وعليه ثوبان أخضران ، فسلّم عليه أبي ، ثم جلسنا فتحدّثنا ساعة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي : " هذا ابنك ؟ " قال أبي : ورب الكعبة حقاً أشهد به ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً من تثبيت شبهي في أبي ، ومن حلف أبي عليّ قال : " أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } . ثم نظر أبي إلى مثل السلعة بين كتفيه ، فقال : يا رسول الله إني أُطبّب الرجال ، ألا أُعالجها لك ؟ قال : " لا طبيبها الذي خلقها " " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.