معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

قوله تعالى : { ومن الأنعام } ، أي : وأنشأ من الأنعام .

قوله تعالى : { حمولةً } ، وهي كل ما يحمل عليها من الإبل .

قوله تعالى : { وفرشاً } ، هي الصغار من الإبل التي لا تحمل .

قوله تعالى : { كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان } ، لا تسلكوا طريقه وآثاره في تحريم الحرث والأنعام .

قوله تعالى : { إنه لكم عدو مبين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

{ 142 - 144 } { وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

أي : { و } خلق وأنشأ { من الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } أي : بعضها تحملون عليه وتركبونه ، وبعضها لا تصلح للحمل والركوب عليها لصغرها كالفصلان ونحوها ، وهي الفرش ، فهي من جهة الحمل والركوب ، تنقسم إلى هذين القسمين .

وأما من جهة الأكل وأنواع الانتفاع ، فإنها كلها تؤكل وينتفع بها . ولهذا قال : { كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي : طرقه وأعماله التي من جملتها أن تحرموا بعض ما رزقكم الله . { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } فلا يأمركم إلا بما فيه مضرتكم وشقاؤكم الأبدي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

ثم بين - سبحانه - حال الأنعام ، وأبطل ما تقولوه عليه فى شأنها بالتحريم والتحليل فقال : { وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشاً } .

الحمولة ، هى الأنعام الكبار الصالحة للحمل . والفرش هى صغارها الدانية من الأرض ، مثل الفرش المفروش عليها .

وقيل الحمولة كل ما حمل عليه من إبل وبقر وبغل وحمار . والفرش ما اتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش .

أى : وأنشأ لكم - سبحانه - من الأنعام حمولة وهى ما تحمولن عليه أثقالكم ، كما أنشأ لكم منها فرشا وهى صغارهاه التى تفرش للذبائح من الضأن والمعز والإبل والبقر .

والجملة معطوفة على جنات ، والجهة الجامعة بينهما إباحة الانتفاع بهما .

وقوله { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } .

أى : كلوا مما رزقكم الله من هذه الثمار والزروع والأنعام وغيرها ، وانتفعوا منها بسائر أنواع الانتفاع المشروعة ، ولا تتبعوا وساوس الشيطان وطرقه فى التحريم والتحليل كما أتبعها أهل الجاهلية ، إذ حرموا ما رزقهم الله افتراء عليه ، إن الشيطان عداوته ، ظاهرة واضحة لكم ، فهو يمنعكم مما يحفظ روحكم ، ويطهر قلوبكم ، فالجملة الكريمة { إِنَّهُ لَكُمْ } تعليل للنهى عن اتباع خطوات الشيطان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

136

بعد ذلك يردهم السياق إلى الحقيقة الأولية التي ضلوا عنها ، والتي أشار إليها إشارة في أول هذا الحديث بقوله : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) . . يردهم إلى مصدر الحرث والأنعام التي يتصرفون في شأنها هذه التصرفات ؛ ويتلقون في شأنها من شياطين الإنس والجن الذين لم يخلقوها لهم ولم ينشئوها . . إن الله هو الذي ذرأ الحرث والأنعام ، متاعا للناس ونعمة ؛ ذرأها لهم ليشكروا له ؛ ويعبدوه - وما به سبحانه من حاجة إلى شكرهم وعبادتهم ، فهو الغني ذو الرحمة ؛ إنما هو صلاح حالهم في دينهم ودنياهم - فما بالهم يحكمون من لم يخلق شيئاً ، فيما ذرأ الله من الحرث والأنعام ؟ وما بالهم يجعلون لله نصيبا ، ولأولئك نصيبا ، ثم لا يقفون عند هذا الحد فيتلاعبون - تحت استهواء أصحاب المصلحة من الشياطين-في النصيب الذي جعلوه لله ؟ !

إن الخالق الرازق هو الرب المالك . الذي لا يجوز أن يُتصرف في هذا المال إلا بإذنه ممثلا في شرعه . وشرعه ممثل فيما جاء به رسوله من عنده ، لا فيما يدعي الأرباب المغتصبون لسلطان الله أنه شريعة الله !

( وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ، والنخل والزرع مختلفا أكله ، والزيتون والرمان ، متشابها وغير متشابه . كلوا من ثمره إذا أثمر ، وآتوا حقه يوم حصاده ، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين . ومن الأنعام حمولة وفرشا . كلوا مما رزقكم الله ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، إنه لكم عدو مبين ) .

إن الله - سبحانه - هو الذي خلق هذه الجنات ابتداء - فهو الذي أخرج الحياة من الموات - وهذه الجنات منها الإنسيات المعروشات التي يتعهدها الإنسان بالعرائش والحوائط ؛ ومنها البريات التي تنبت بذاتها - بقدر الله - وتنمو بلا مساعدة من الإنسان ولا تنظيم . وإن الله هو الذي أنشأ النخل والزرع مختلف الألوان والطعوم والأشكال . وإن الله هو الذي خلق الزيتون والرمان ، منوع الصنوف متشابها وغير متشابه ، وإنه - سبحانه - هو الذي خلق هذه الأنعام وجعل منها( حمولة ) عالية القوائم بعيدة في الأرض حمالة للأثقال . وجعل منها ( فرشا ) صغيرة الأجسام قريبة من الأرض يتخذ من أصوافها وأشعارها الفرش . .

إنه هو - سبحانه - الذي بث الحياة في هذه الأرض ؛ ونوّعها هذا التنويع ؛ وجعلها مناسبة للوظائف التي تتطلبها حياة الناس في الأرض . . فكيف يذهب الناس - في مواجهة هذه الآيات وهذه الحقائق - إلى تحكيم غير الله في شأن الزروع والأنعام والأموال ؟

إن المنهج القرآني يكثر من عرض حقيقة الرزق الذي يختص الله بمنحه للناس ، ليتخذ منها برهانا على ضرورة إفراد الله سبحانه بالحاكمية في حياة الناس . فإن الخالق الرازق الكافل وحده ؛ هو الحقيق بأن تكون له الربوبية والحاكمية والسلطان وحده . . بلا جدال :

وهنا يحشد السياق مشاهد الزرع والإثمار ، ومشاهد الأنعام وما فيها من نعم الله . . يحشد هذه المؤثرات في صدد قضية الحاكمية ، كما حشدها من قبل في صدد قضية الألوهية . . فيدل على أن هذه وتلك قضية واحدة في العقيدة الإسلامية .

وعندما يذكر الزروع والثمار يقول :

( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين ) . .

والأمر بإيتاء حقه يوم حصاده هو الذي جعل بعض الروايات تقول عن هذه الآية إنها مدنية . وقد قلنا في التقديم للسورة : إن الآية مكية ، لأن السياق في الجزء المكي من السورة لا يتصور تتابعه بدون هذه الآية . فإن ما بعدها ينقطع عما قبلها لو كانت قد تأخرت حتى نزلت في المدينة . وهذا الأمر بإيتاء حق الزرع يوم حصاده ، لا يتحتم أن يكون المقصود به الزكاة . وهناك روايات في الآية أن المقصود هو الصدقة غير المحددة . . أما الزكاة بأنصبتها المحددة فقد حددتها السنة بعد ذلك في السنة الثانية من الهجرة . .

وقوله تعالى :

( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) . .

ينصرف إلى العطاء ، كما ينصرف إلى الأكل . فقد روي أنهم تباروا في العطاء حتى أسرفوا ، فقال الله سبحانه : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) . .

وعندما يذكر الأنعام يقول :

كلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، إنه لكم عدو مبين . .

ذلك ليذكرهم أن هذا رزق الله وخلقه ، والشيطان لم يخلق شيئا . فما بالهم يتبعونه في رزق الله ؟ ثم ليذكرهم أن الشيطان لهم عدو مبين . فما بالهم يتبعون خطواته وهو العدو المبين ؟ !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ } .

يقول تعالى ذكره : وأنشأ من الأنعام حَمولة وفرشا ، مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات . والحمولة : ما حمل عليه من الإبل وغيرها ، والفرش : صغار الإبل التي لم تدرك أن يحمل عليها .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : الحمولة : ما حمل عليه من كبار الإبل ومسانها والفرش : صغارها التي لا يحمل عليها لصغرها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، في قوله : حَمُولَةً وفَرْشا قال : الحمولة : الكبار من الإبل وفَرْشا : الصغار من الإبل .

وقال : حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : الحمولة هي الكبار ، والفرش : الصغار من الإبل .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، قال : الحمولة : ما حمل من الإبل ، والفرش : ما لم يحمل .

وبه عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد : الحمولة : ما حمل من الإبل ، والفرش : ما لم يحمل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَفَرْشا قال : صغار الإبل .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، في قوله : حَمُولَةً وَفَرْشا قال : الحمولة : الكبار ، والفرش : الصغار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود في قوله : حَمُولَةً وَفَرْشا الحمولة : ما حمل من الإبل ، والفرش : هنّ الصغار .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، أنه قال في هذه الاَية : حَمُولَةً وفَرْشا قال : الحمولة : ما حمل عليه من الإبل ، والفرش : الصغار . قال ابن المثنى ، قال محمد ، قال شعبة : إنما كان حدثني سفيان عن ابن إسحاق .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قال الحسن : الحمولة من الإبل والبقر .

وقال بعضهم : الحمولة من الإبل ، وما لم يكن من الحمولة فهو الفرش .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن : حَمُولَةً وفَرْشا قال : الحمولة : ما حمل عليه ، والفرش : حواشيها ، يعني صغارها .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشا فالحمولة ما حمل من الإبل ، والفرش : صغار الإبل ، الفصيل وما دون ذلك مما لا يحمل .

ويقال : الحمولة : من البقر والإبل ، والفرش : الغنم .

وقال آخرون : الحمولة : ما حمل عليه من الإبل والخيل والبغال وغير ذلك ، والفرش : الغنم . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشا فأما الحمولة : فالإبل والخيل والبغال والحمير ، وكلّ شيء يحمل عليه وأما الفرش : فالغنم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس : الحمولة من الإبل : والبقر ، وفرشا : المعز والضأن .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشا قال : أما الحمولة : فالإبل والبقر . قال : وأما الفرش : فالغنم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، كان غير الحسن يقول : الحمولة : الإبل والبقر ، والفرش : الغنم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشا أما الحمولة : فالإبل . وأما الفرش : فالفُصلان والعجاجيل والغنم ، وما حمل عليه فهو حمولة .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : حَمُولَةً وَفَرْشا الحمولة : الإبل ، والفرش ، الغنم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن : وفَرْشا قال : الفرش : الغنم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حَمُولَةً وفَرْشا قال : الحمولة : ما تركبون ، والفرش : ما تأكلون وتحلبون ، شاة لا تحمل ، تأكلون لحمها ، وتتخذون من أصوافها لحافا وفرشا .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الحمولة : هي ما حمل من الأنعام ، لأن ذلك من صفتها إذا حملت ، لا أنه اسم لها كالإبل والخيل والبغال فإذا كانت إنما سميت حمولة لأنها تحمل ، فالواجب أن يكون كلّ ما حمل على ظهره من الأنعام فحمولة ، وهي جمع لا واحد لها من لفظها ، كالرّكوبة والجَزُورة . وكذلك الفرش إنما هو صفة لما لطف فقرب من الأرض جسمه ، ويقال له الفرش . وأحسبها سميت بذلك تمثيلاً لها في استواء أسنانها ولطفها بالفرش من الأرض ، وهي الأرض المستوية التي يتوطؤها الناس . فأما الحُمولة بضمّ الحاء : فإنها الأحمال ، وهي الحُمُول أيضا بضم الحاء .

القول في تأويل قوله تعالى : كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلا تَتّبِعُوا خُطُوَاتِ الشّيْطانِ إنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ .

يقول جلّ ثناؤه : كلوا مما رزقكم الله أيها المؤمنون ، فأحلّ لكم ثمرات حروثكم وغروسكم ولحوم أنعامكم ، إذ حرّم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله ، فجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، وللشيطان مثله ، فقالوا : هذا لله بزعمهم ، وهذا لشركائنا . وَلا تَتّبِعُوا خُطُوَاتِ الشّيْطانِ كما اتبعها باحرو البحيرة ومسيبو السوائب ، فتحرموا على أنفسكم من طيب رزق الله الذي رزقكم ما حرموه ، فتطيعوا بذلك الشيطان وتعصوا به الرحمن . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تَتّبِعُوا خُطُواتِ الشّيْطانِ : لا تتبعوا طاعته هي ذنوب لكم ، وهي طاعة للخبيث .

إن الشيطان لكم عدوّ يبغي هلاككم وصدّكم عن سبيل ربكم ، مُبِينٌ قد أبان لكم عدوانه بمناصبته أباكم بالعداوة ، حتى أخرجه من الجنة بكيده وخدعه ، وحسدا منه له وبغيا عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (142)

{ حمولة } عطف على { جنات معروشات } [ الأنعام : 141 ] التقدير وأنشأنا من الأنعام حمولة ، والحمولة : ما تحمل الأثقال من الإبل والبقر عند من عادته أن يحمل عليها والهاء في { حمولة } للمبالغة ، وقال الطبري هو اسم جمع لا واحد من لفظه ، و «الفرش » ما لا يحمل ثقلاً كالغنم وصغار البقر والإبل ، هذا هو المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم ، يقال له الفرش والفريش ، وذهب بعض الناس إلى أن تسميته { فرشاً } إنما هي لوطاءته وأنه مما يمتهن ويتوطأ ويتمكن من التصرف فيه إذ قرب جسمه من الأرض .

وروي عن ابن عباس أنه قال : «الحمولة » الإبل والخيل والبغال والحمير ، ذكره الطبري .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا منه تفسير لنفس اللفظة لا من حيث هي في هذه الآية ، ولا تدخل في الآية لغير الأنعام وإنما خصت بالذكر من جهة ما شرعت فيها العرب ، وقوله { مما رزقكم } نص إباحة وإزالة ما سنه الكفار من البحيرة والسائبة وغير ذلك ، ثم تابع النهي عن تلك السنن بقوله سبحانه : { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } وهي جمع خطوة{[5126]} ، أي : لا تمشوا في طرقه المضلة ، وقد تقدم في سورة البقرة اختلاف القراء في «خطوات »{[5127]} ، ومن شاذها قراءة علي رضي الله عنه والأعرج وعمرو بن عبيد «خُطُؤات » بضم الخاء والطاء وبالهمزة ، قال أبو الفتح وذلك جمع خطأة من الخطأ ومن الشاذ قراءة أبي السمال «خطوات » بالواو دون همزة وهو جمع خطوة وهي ذرع ما بين قدمي الماشي ، ثم علل النهي عن ذلك بتقرير عداوة الشيطان لابن آدم ، وقوله تعالى { ثمانية } اختلف في نصبها فقال الأخفش علي بن سليمان بفعل مضمر تقديره كلوا لحم ثمانية أزواج فحذف الفعل والمضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقيل نصب على البدل من ما في قوله { كلوا مما رزقكم الله } ، وقيل نصبت على الحال ، وقيل نصبت على البدل من قوله { حمولة وفرشاً } ، وهذا أصوب الأقوال وأجراها مع معنى الآية ، وقال الكسائي نصبها { أنشأ } [ الأنعام : 141 ] .


[5126]:- جاء في (اللسان): "الخطوة بالضم: ما بين القدمين والجمع خطوات وخطوات وخطى- والخطوة بالفتح: الفعل للمرة الواحدة، والجمع خطوات بالتحريك وخطاء مثل ركوة وركاء". وقال ابن خالويه في كتابه "الحجة في القراءات السبع": "الخطوة بفتح الخاء: الاسم، وبضمها، قدر ما بين قدميك".
[5127]:- وذلك عند تفسير الآية رقم (168) من سورة (البقرة) وهي قوله تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}.