وقوله - سبحانه - : { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله شَيْئاً } تعليل للنهي عن اتباع أهوائهم .
أي : إنك - أيها الرسول الكريم - إن اتبعت أهواء هؤلاء الضالين ، صرت مستحقا لمؤاخذتنا ، ولن يستطيع هؤلاء أو غيرهم ، أن يدفع عنك شيئا مما أراده الله - تعالى - بك .
{ وَإِنَّ الظالمين بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } أي : بعضهم نصراء بعض في الدنيا ، أما في الآخرة فولايتهم تنقلب إلى عداوة .
{ والله } - تعالى - هو { وَلِيُّ المتقين } الذين أنت إمامهم وقدوتهم ، فاثبت على شريعتنا التي أوحيناها إليك ، لتنال ما أنت أهله من رضانا وعطائنا .
والله - سبحانه - يحذر رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يتبع أهواء الذين لا يعلمون ، فهم لا يغنون عنه من الله شيئاً . وهم يتولون بعضهم بعضاً . وهم لا يملكون أن يضروه شيئاً حين يتولى بعضهم بعضاً ، لأن الله هو مولاه :
( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض . والله ولي المتقين ) . .
وقوله : إنّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا ، يقول تعالى ذكره : إن هؤلاء الجاهلين بربهم ، الذين يدعونك يا محمد إلى اتباع أهوائهم ، لن يغنوا عنك إن أنت اتبعت أهواءهم ، وخالفت شريعة ربك التي شرعها لك من عقاب الله شيئا ، فيدفعوه عنك إن هو عاقبك ، وينقذوك منه .
وقوله : وَإنّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ ، يقول : وإن الظالمين بعضهم أنصار بعض ، وأعوانهم على الإيمان بالله وأهل طاعته وَاللّهُ وَلِيّ المُتّقِينَ . يقول تعالى ذكره : والله يَلِي من اتقاه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه بكفايته ، ودفاع من أراده بسوء ، يقول جلّ ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام فكن من المتقين ، يكفك الله ما بغاك وكادك به هؤلاء المشركون ، فإنه وليّ من اتقاه ، ولا يعظم عليك خلاف من خالف أمره وإن كثر عددهم ، لأنهم لن يضرّوك ما كان الله وليك وناصرك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين} يوم القيامة، يعني مشركي مكة.
{بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن هؤلاء الجاهلين بربهم، الذين يدعونك يا محمد إلى اتباع أهوائهم، لن يغنوا عنك إن أنت اتبعت أهواءهم، وخالفت شريعة ربك التي شرعها لك من عقاب الله شيئا، فيدفعوه عنك إن هو عاقبك، وينقذوك منه.
"وَإنّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ": وإن الظالمين بعضهم أنصار بعض، وأعوانهم على الإيمان بالله وأهل طاعته.
"وَاللّهُ وَلِيّ المُتّقِينَ": والله يَلِي من اتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه بكفايته، ودفاع من أراده بسوء، يقول جلّ ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام فكن من المتقين، يكفك الله ما بغاك وكادك به هؤلاء المشركون، فإنه وليّ من اتقاه، ولا يعظم عليك خلاف من خالف أمره وإن كثر عددهم؛ لأنهم لن يضرّوك ما كان الله وليك وناصرك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئا} أي لو اتبعت أهواءهم لن يُغنوا عنك من الله، أي لن يُغني أولئك عن دفع ما ينزل بك من عذاب الله شيئا، وهو ما قال في آية أخرى: {وإن كادوا ليفتنُونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره} إلى قوله:
{إذا لأذقناك ضِعف الحياة وضعف الممات} الآية [الإسراء: 73-75].
ثم أخبر أن الظالمين بعضهم أولياء بعض [بقوله: {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} يحتمل ولاية الدين والمذهب، أي بعضهم يُوالي بعضا في الدين.
ويحتمل غيره أي يلي بعضهم أمر بعض في الإعانة والنُّصرة، والله أعلم.
{والله وليُّ المتقين} يحتمل أي يلي أمور المتقين.
يحتمل {وليّ المتقين} أي ناصرهم ومُعينهم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إن أرادَ بكَ نعمةً فلا يمنعها أحدٌ، وإن أراد بك فتنةً فلا يَصْرِفها عنك أحدٌ. فلا تُعَلِّقْ بمخلوقٍ فكْرَك، ولا تتوجهْ بضميرك إلى شيء، وثِقْ بربِّك، وتوكَّلْ عليه...
لو ملت إلى أديانهم الباطلة فصرت مستحقا للعذاب، فهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك، ثم بين تعالى أن الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا وفي الآخرة لا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب، وأما المتقون المهتدون، فالله وليهم وناصرهم وهم موالوه، وما أبين الفرق بين الولايتين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
علل هذا النهي مهدداً بقوله: مؤكداً تنبيهاً على أن من خالف أمر الله لأجل أحد كان عمله عمل من يظن أنه يحميه-: {إنهم} وأكد النفي فقال تعالى: {لن يغنوا عنك} أي لا يتجدد لهم نوع إغناء مبتدئ.
{من الله} المحيط بكل شيء قدرة وعلماً واصل إليه، وكل ما لا يكون ذا وصلة به فهو عدم.
{شيئاً} من إغناء إن تبعتهم كما أنهم لن يقدروا لك على شيء من أذى إن خالفتهم وناصبتهم.
ولما كان التقدير: فإنهم ظلمة لا يضعون شيئاً في موضعه، ومن اتبعهم فهو منهم، قال تعالى عاطفاً عليه: {وإن} وكان الأصل: وإنهم، ولكنه أظهر للإعلام بوصفهم فقال: {الظالمين} أي العريقين في هذا الوصف الذميم.
{بعضهم أولياء بعض} فلا ولاية -أي قرب- بينهم وبين الحكيم أصلاً؛ لتباعد ما بين الوصفين، فكانت أعمالهم كلها- باطلة لبنائها على غير أساس، خلافاً لمن يظن بها غير ذلك تقيداً بالأمور الظاهرة في هذه الدار.
{والله} أي الذي له جميع صفات الجلال والجمال والعز والكمال.
{ولي المتقين} الذين همهم الأعظم الاتصاف بالحكمة باتخاذ الوقايات المنجية لهم من سخط الله ولا ولاية بينه وبين الظالمين.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنها شريعة واحدة هي التي تستحق هذا الوصف، وما عداها أهواء منبعها الجهل. وعلى صاحب الدعوة أن يتبع الشريعة وحدها، ويدع الأهواء كلها.
وعليه ألا ينحرف عن شيء من الشريعة إلى شيء من الأهواء. فأصحاب هذه الأهواء أعجز من أن يغنوا عنه من الله صاحب الشريعة. وهم إلب عليه، فبعضهم ولي لبعض. وهم يتساندون فيما بينهم ضد صاحب الشريعة فلا يجوز أن يأمل في بعضهم نصرة له أو جنوحاً عن الهوى الذي يربط بينهم برباطه.
ولكنهم أضعف من أن يؤذوه. والله ولي المتقين. وأين ولاية من ولاية؟ وأين ضعاف جهال مهازيل يتولى بعضهم بعضاً؛ من صاحب شريعة يتولاه الله. ولي المتقين؟...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً} تعليل للنهي عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، ويتضمن تعليلَ الأمر باتباع شريعة الله فإن كونهم لا يغنون عنه من الله شيئاً يستلزم أن في مخالفة ما أمر الله من اتباع شريعته ما يوقع في غضب الله وعقابه فلا يغني عنه اتباع أهوائهم من عقابه.
والإغناء: جعل الغير غنياً، أي غير محتاج، فالآثم المهدد من قدير غير غنيّ عن الذي يعاقبه ولو حماه من هو كفء لمهدده أو أقدر منه لأغناه عنه، وضُمّن فعل الإغناء معنى الدفع فعدّي ب (عن).
وانتصب {شيئاً} على المفعول المطلق، و {من الله} صفة ل {شيئاً} و {مِن} بمعنى بَدل، أي لن يُغنُوا عنك بدلاً من عذاب الله، أي قليلاً من الإغناء البديل من عقاب الله فالكلام على حذف مضاف...
{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} أي إنهم ظالمون وأنت لست من الظالمين في شيء فلا يجوز أن تتبعهم في شيء وإنما يتبعهم من هم أولياؤهم...