قوله تعالى : { الذين كانت أعينهم في غطاء } أي : غشاء ، والغطاء : ما يغطى به الشيء ويستره ، { عن ذكري } يعني : عن الإيمان والقرآن ، وعن الهدى والبيان ، وقيل : عن رؤية الدلائل . { وكانوا لا يستطيعون سمعاً } أي : سمع القبول والإيمان ، لغلبة الشقاوة عليهم . وقيل : لا يعقلون وقيل : كانوا لا يستطيعون ، أي : لا يقدرون أن يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتلوه عليهم لشدة عداوتهم له ، كقول الرجل : لا أستطيع أن أسمع من فلان شيئاً ، لعداوته .
{ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ْ } أي : معرضين عن الذكر الحكيم ، والقرآن الكريم ، وقالوا : { قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ْ } وفي أعينهم أغطية تمنعهم من رؤية آيات الله النافعة ، كما قال تعالى : { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ْ }
{ وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ْ } أي : لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان ، لبغضهم القرآن والرسول ، فإن المبغض لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام من أبغضه ، فإذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير ، فليس لهم{[500]} سمع ولا بصر ، ولا عقل نافع فقد كفروا بالله وجحدوا آياته ، وكذبوا رسله ، فاستحقوا جهنم ، وساءت مصيرا .
ثم بين - سبحانه - ما أعده للكافرين من عذاب يوم القيامة فقال : { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } وقوله : { وعرضنا } . . أى : أظهرنا وأبرزنا يقال : عرض القائد جنده إذا أظهرهم ليشاهدهم الناس .
أى : جمعنا الخلائق يوم البعث والنشور جمعا تاما كاملا . وأبرزنا وأظهرنا جهنم فى هذا اليوم للكافرين إبرازا هائلا فظيعا ، حيث يرونها ويشاهدونها بدون لبس أو خفاء ، فيصيبهم ما يصيبهم من رعب وفزع عند مشاهدتها .
وتخصيص العرب بهم ، مع أن غيرهم - أيضا - يراها ، لأنها ما عرضت إلا من أجلهم ، ومن أجل أمثالهم ممن فسقوا عن أمر ربهم .
ويرى بعضهم أن اللام فى { للكافرين } بمعنى على ، لأن العرض يتعدى بها ، قال - تعالى - : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار . . } وقال - سبحانه - : { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً . . . } ثم وصفهم - سبحانه - بما يدل على استحقاقهم دخول النار فقال : { الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي } .
أى : أبرز جهنم فى هذا اليوم العصيب للكافرين الذين كانت أعينهم فى الدنيا فى { غطاء } كثيف وغشاوة غليظة ، { عن ذكرى } أى : عن الانتفاع بالآيات التى تذكرهم بالحق ، وتهديهم إلى الرشاد ، بسبب استحواذ الشيطان عليهم .
وفى التعبير بقوله : { غطاء } إشعار بأن الحائل والساتر الذى حجب أعينهم عن الإِبصار ، كان حائلا شديدا ، إذ الغطاء هو ما يغطى الشئ ويستره من جميع جوانبه .
والمراد بالذكر : القرآن الكريم ، أو ما يشمله ويشمل كل ما فى الكون من آيات يؤدى التفكر فيها إلى الإِيمان بالله - تعالى - .
وقوله : { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } صفة أخرى من صفاتهم الذميمة ، أى : وكانوا فى الدنيا - أيضا - لا يستطيعون سمعا للحق أو الهدى ، بسبب إصرارهم على الباطل ، وإيغالهم فى الضلال والعناد ، بخلاف الأصم فإنه قد يستطيع السماع إذا صيح به .
قال الآلوسى : فالجملة الكريمة نفى لسماعهم على أتم وجه ، ولذا عدل عن : وكانوا صما مع أنه أخصر ، لأن المراد أنهم مع ذلك كفاقدى السمع بالكلية وهو مبالغة فى تصوير إعراضهم عن سماع ما يرشدهم إلى ما ينفعهم بعد تصوير تعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار . . .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } .
يقول تعالى : وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين الذين كانوا لا ينظرون في آيات الله ، فيتفكّرون فيها ولا يتأمّلون حججه ، فيعتبرون بها ، فيتذكرون وينيبون إلى توحيد الله ، وينقادون لأمره ونهيه ، وكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعا يقول : وكانوا لا يطيقون أن يسمعوا ذكر الله الذي ذكّرهم به ، وبيانه الذي بيّنه لهم في إي كتابه ، بخذلان الله إياهم ، وغلبة الشقاء عليهم ، وشُغْلِهم بالكفر بالله وطاعة الشيطان ، فيتعظون به ، ويتدبّرونه ، فيعرفون الهدى من الضلالة ، والكفر من الإيمان . وكان مجاهد يقول في ذلك ما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعا قال : لا يعقلون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعا قال : لا يعلمون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله الّذِينَ كانَت أعْيُنُهُمْ في غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِى . . . الاَية ، قال : هؤلاء أهل الكفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.