معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (17)

قوله تعالى : { يعظكم الله } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يحرم الله عليكم ، قال مجاهد : ينهاكم الله . { أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين* }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَعِظُكُمُ اللّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : يذكّرُكم الله وينهاكم بآي كتابه ، لئلا تعودوا لمثل فعلكم الذي فعلتموه في أمر عائشة من تلقّيكم الإفك الذي رُوي عليها بألسنتكم ، وقولكم بأفواهكم ما ليس لكم به علم فيها أبدا . إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يقول : إن كنتم تتعظون بعظات الله وتأتمرون لأمره وتنتهون عما نهاكم عنه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيُبَيّنُ اللّهُ لَكُمُ الاَياتِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قال : والذي هو خيرٌ لنا من هذا ، أن الله أعلمنا هذا لكيلا نقع فيه ، لولا أن الله أعلمنا لهلكنا كما هلك القوم ، أن يقول الرجل : أنا سمعته ولم أخترقه ولم أتقوّله ، فكان خيرا حين أعلمناه الله ، لئلا ندخل في مثله أبدا ، وهو عند الله عظيم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (17)

بعد أن بيّن الله تعالى ما في خبر الإفك من تَبعات لحق بسببها للذين جاءوا به والذين تقبلوه عديدُ التوبيخ والتهديد ، وافتضاحٌ للذين روّجوه وخيبةٌ مختلقة بنقيض قصدهم ، وانتفاعٌ للمؤمنين بذلك ، وبيّن بادىء ذي بدء أنه لا يحسب شراً لهم بل هو خير لهم ، وأن الذين جاءوا به ما اكتسبوا به إلا إثماً ، وما لحق المسلمين به ضر ، ونعى على المؤمنين تهاونهم وغفلتهم عن سوء نية مختلقيه ، وكيف ذهلوا عن ظن الخير بمن لا يعلمون منها إلا خيراً فلم يفندوا الخبر ، وأنهم اقتحموا بذلك ما يكون سبباً للحاق العذاب بهم في الدنيا والآخرة ، وكيف حسبوه أمراً هيّناً وهو عند الله عظيم ، ولو تأملوا لعلموا عظمه عند الله ، وسكوتَهم عن تغيير هذا ؛ أعقب ذلك كله بتحذير المؤمنين من العود إلى مثله من المجازفة في التلقي ، ومن الاندفاع وراء كل ساع دون تثبت في مواطىء الأقدام ، ودون تبصر في عواقب الإقدام .

والوعظ : الكلام الذي يطلب به تجنب المخاطب به أمراً قبيحاً . وتقدم في آخر سورة النحل ( 125 ) .

وفعل { يعظكم } لا يتعدى إلى مفعول ثان بنفسه ، فالمصدر المأخوذ من { أن تعودوا } لا يكون معمولاً لفعل { يعظكم } إلا بتقدير شيء محذوف ، أو بتضمين فعل الوعظ معنى فعل متعدّ ، أو بتقدير حرف جر محذوف ، فلك أن تضمّن فعل { يعظكم } معنى التحذير . فالتقدير : يحذركم من العود لمثله ، أو يقدّر : يعظكم الله في العود لمثله ، أو يقدر حرف نفي ، أي أن لا تعودوا لمثله ، وحذف حرف النفي كثير إذا دل عليه السياق ، وعلى كل الوجوه يكون في الكلام إيجاز .

والأبد : الزمان المستقبل كله ، والغالب أن يكون ظرفاً للنفي .

وقوله : { إن كنتم مؤمنين } تهييج وإلهاب لهم يبعث حرصهم على أن لا يعودوا لمثله لأنهم حريصون على إثبات إيمانهم ، فالشرط في مثل هذا لا يقصد بالتعليق ، إذ ليس المعنى : إن لم تكونوا مؤمنين فعودوا لمثله ، ولكن لما كان احتمال حصول مفهوم الشرط مجتنباً كان في ذكر الشرط بعث على الامتثال ، فلو تكلم أحد في الإفك بعد هذه الآية معتقداً وقوعه فمقتضى الشرط أنه يكون كافراً وبذلك قال مالك . قال ابن العربي : قال هشام بن عمار : « سمعت مالكاً يقول : مَن سَبَّ أبا بكر وعمر أُدِّب ، ومَن سَبَّ عائشة قُتل لأن الله يقول : { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين } فمن سَبَّ عائشة فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قُتل » اه . يريد بالمخالفة إنكار ما جاء به القرآن نصاً وهو يرى أن المراد بالعود لمثله في قضية الإفك لأن الله برأها بنصوص لا تقبل التأويل ، وتواتر أنها نزلت في شأن عائشة . وذكر ابن العربي عن الشافعية أن ذلك ليس بكفر . وأما السب بغير ذلك فهو مساو لسبِّ غيرها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .