معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

قوله تعالى : { آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما أغرق الله فرعون قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، فقال جبريل عليه السلام : يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " . فلما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قالت بنو إسرائيل ما مات فرعون فأمر الله البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا ، أبدا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

القول في تأويل قوله تعالى : { آلاَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره معرّفا فرعون قبح صنيعه أيام حياته وإساءته إلى نفسه أيام صحته ، بتماديه في طغيانه ومعصيته ربه حين فزع إليه في حال حلول سخطه به ونزول عقابه ، مستجيرا به من عذابه الواقع به لما ناداه وقد علته أمواج البحر وغشيته كرب الموت : آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ له ، المنقادين بالذلة له ، المعترفين بالعبودية : الاَن تقرّ لله بالعبودية ، وتستسلم له بالذلة ، وتخلص له الألوهة ، وقد عصيته قبل نزول نقمته بك فأسخطته على نفسك وكنت من المفسدين في الأرض الصّادّين عن سبيله ؟ فهلاّ وأنت في مهل وباب التوبة لك منفتح أقررت بما أنت به الاَن مقرّ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

وقوله تعالى { الآن وقد عصيت } الآية ، قال أبو علي : اعلم أن لام المعرفة إذا دخلت على كلمة أولها الهمزة فخففت الهمزة فإن في تخفيفها وجهين : أحدهما أن تحذف وتلقى حركتها على اللام وتقر همزة الوصل فيه فيقال الحمر وقد حكى ذلك سيبويه ، وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن أن ناساً يقولون لحمر فيحذفون الهمزة التي للوصل فمن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ]

وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة*** فبح لان منها بالذي أنت بائح{[6220]}

قرأ نافع في رواية ورش لم يختلف عنه «الآن » بمد الهمزة وفتح اللام ، وقرأ الباقون بمد الهمزة وسكون اللام وهمز الثانية ، وقرأت فرقة «الآن » بقصر الهمزة وفتح اللام وتخفيف الثانية وقرأ جمهور الناس «ألأْن » بقصر الأولى وسكون اللام وهمز الثانية .

قال القاضي أبو محمد : وقراءات التخفيف في الهمزة تترتب على ما قال أبو علي فتأمله ، فإن الأولى على لغة من يقول الحمر ، وهذا على جهة التوبيخ له والإعلان بالنقمة منه ، وهذا اللفظ يحتمل أن بكون مسموعاً لفرعون من قول ملك موصل عن الله وكيف شاء الله ، ويحتمل أن كون معنى هذا الكلام معنى حاله وصورة خزيه ، وهذه الآية نص في رد توبة المعاين .


[6220]:- البيت غير منسوب، والشاهد فيه كلمة (الآن) التي تنطق (لآن) على النحو الذي وضحه أبو علي الفارسي، وقد نقل ابن خالويه عن اللغويين السبب في بناء (الآن) مع أن فيه الألف واللام، قال سيبويه: (الآن) إشارة إلى وقت أنت فيه بمنزلة (هذا) والألف واللام تدخل لعهد قد تقدم، فلما دخلت هاهنا لغير عهد ترك مبنيا. وقال المبرد: معرفته وقعت قبل نكرته وليس يشركه غيره في التسمية، فتكون الألف واللام معرفة له، وإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان، فلذلك بُني. وقال الفراء: أصله أوان، فقلبت الواو ألفا فصار (أأان) ودخلت الألف واللام على مبني فلم تغيره عن بنائه. (راجع الحجة في القراءات لابن خالويه، ومعاني القرآن للفراء).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

مقول لقول حذف لدلالة المقام عليه ، تقديره : قال الله . وهو جواب لقوله : { آمنت } [ يونس : 90 ] لأنه قصد بقوله ذلك طلبَ الإنجاء من الغرق اعترافاً لله بالربوبية ، فكأنه وجه إليه كلاماً . فأجابه الله بكلام .

وقال الله هذا الكلام له على لسان الملَك الموكل بتعذيبه تأييساً له من النجاة في الدنيا وفي الآخرة ، تلك النجاة التي هي مأمولة حين قال : { آمنت } [ يونس : 90 ] إلى آخره ، فإنه ما آمن إلا وقد تحقق بجميع ما قاله موسى ، وعلم أن ما حل به كان بسبب غضب الله ، ورجا من اعترافه له بالوحدانية أن يعفو عنه وينجيه من الغرق . ويدل على ذلك قول الله عقب كلامه { فاليوم ننجيك ببدنك } كما سيأتي .

والاستفهام في { ألآن } إنكاري . والآن : ظرف لفعل محذوف دل عليه قوله : { آمنتُ } [ يونس : 90 ] تقديره : الآن تؤمن ، أي هذا الوقت . ويقدر الفعل مؤخراً ، لأن الظرف دل عليه ، ولأن محط الإنكار هو الظرف .

والإنكار مؤذن بأن الوقت الذي عُلق به الإنكار ليس وقتاً ينفع فيه الإيمان لأن الاستفهام الإنكاري في قوة النفي ، فيكون المعنى : لا إيمان الآن .

والمنفي هو إيمانٌ ينجي مَن حصل منه في الدنيا والآخرة . وإنما لم ينفعه إيمانه لأنه جاء به في وقت حصول الموت . وهو وقت لا يقبل فيه إيمان الكافر ولا توبة العاصي ، كما تقدم عند قوله تعالى : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبتُ الآن ولا الذين يموتون وهم كفّار } [ النساء : 18 ] .

و ( الآن ) اسم ظرف للزمان الحاضر . . . وقد تقدم عند قوله تعالى : { الآن خفَّف الله عنكم } في سورة [ الأنفال : 66 ] .

وجملة : وقد عصيتَ قبلُ وكنتَ من المفسدين } في موضع الحال من معمول ( تؤمن ) المحذوف ، وهي موكدة لما في الاستفهام من معنى الإنكار ، فإن إيمانه في ذلك الحين منكر ، ويزيده إنكاراً أن صاحبه كان عاصياً لله ومفسداً للدين الذي أرسله الله إليه ، ومفسداً في الأرض بالجور والظلم والتمويه بالسحر .

وصيغة : { كنتَ من المفسدين } أبلغ في الوصف بالإفساد من : وكنتَ مُفسداً ، كما تقدم آنفاً ، وبمقدار ما قدّمه من الآثام والفساد يشدّد عليه العذاب .