الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

وقال : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } .

قال أبو بكر الوراق : قال الله لموسى وهارون : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [ طه : 44 ] حين لم ينفعْه تذكّره وخشيته .

قال كعب : لمّا أمسك نيل مصر عن الجري قالت القبط لفرعون : [ إن كنت ربّنا فأجرِ لنا الماء ] ، فركب وأمر جنوده بالركوب وكان مناديه ينادي كل ساعة : ليقف فلان بجنوده قائداً قائداً فجعلوا يقفون على درجاتهم [ وقفز ] حتى بقي هو وخاصته ، فأمرهم بالوقوف حتى بقي في حُجّابه وخُدّامه ، فأمرهم بالوقوف وتقدّم وحده بحيث لا يرونه [ ونزل عن دابته ] ولبس ثياباً أُخر وسجد وتضرع إلى الله ، فأجرى الله تعالى له الماء فأتاه جبرئيل وحده في هيئة مستفت وقال : ما يقول الأمير في رجل له عبد قد نشأ في نعمته لا سيد له غيره ، فكفر نعمته وجحد حقّه وادعى السيادة دونه ؟ [ فكتب فرعون : جزاؤه أن يغرق في البحر ] .

فلمّا أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون ولا يموت أبداً ، فأمر الله تعالى بالبحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصير كأنه ثور فتراءاه بنو إسرائيل ، فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتاً أبداً ، فذلك قوله تعالى : { وَجَاوَزْنَا } أي قطعنا ببني إسرائيل البحر حتى جازوه ، وقرأ الحسن [ وجوزنا ، وهما لغتان ] .

{ فَأَتْبَعَهُمْ } فأدركهم ، يقال : تبعه وأتبعه إذا أدركه ولحقه ، واتّبعه بالتشديد إذا سار خلفه [ واقتدى به ] { فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } .

{ بَغْياً وَعَدْواً } ظلماً واعتداءً ، يقال : عدا يعدو عدواً مثل : غزا يغزو غزواً ، وقرأ الحسن [ عُدوّاً ] بضم العين وتشديد الواو مثل : علا يعلو عُلوّاً . قال المفسرون : بغياً في القول وعدواً في الفعل .

{ حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ } أي أحاط به { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ } قرأ حمزة والكسائي وخلف إنّه بالكسر أي آمنت وقلت : إنّه ، وهي قراءة عبد الله . وقرأ الآخرون : أنّ بالفتح لوقوع آمنت عليها ، وهي اختيار أبو عبيد وأبي حاتم .

{ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } قال جبرئيل { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبرئيل : ما أبغضت أحداً من عباد الله إلاّ أنا أبغضت عبدين أحدهما من الجنّ والآخر من الأنس ، فأما من الجنّ فإبليس حين أبى بالسجود لآدم وأما من الإنس ففرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، ولو رأيتني يا محمد وأنا أدسّ الطين في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " .