معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (14)

قوله تعالى : { تلك حدود الله } . يعني : ما ذكر من الفروض المحدودة .

قوله تعالى : { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } . قرأ أهل المدينة وابن عامر { ندخله جنات } ، و " ندخله ناراً " ، وفي سورة الفتح " ندخله ونعذبه " وفي سورة التغابن " نكفر " و " ندخله " وفي سورة الطلاق ( ندخله ) بالنون فيهن ، وقرأ الآخرون بالياء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مّهِينٌ } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ } في العمل بما أمراه به من قسمة المواريث على ما أمراه بقسمة ذلك بينهم وغير ذلك من فرائض الله مخالفا أمرهما إلى ما نهياه عنه ، { ويتعدّ حدودهُ } يقول : ويتجاوز فصول طاعته التي جعلها تعالى فاصلة بينها وبين معصيته إلى ما نهاه عنه من قسمة تركات موتاهم بين ورثته ، وغير ذلك من حدوده . { يدخلهُ نارا خالدا فيهَا } يقول : باقيا فيها أبدا لا يموت ولا يخرج منها أبدا . { ولهُ عذابٌ مهينٌ } يعني : وله عذاب مذلّ من عُذّب به مخز له .

وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدّ حُدُودَهُ } . . . الاَية في شأن المواريث التي ذكر قبل . قال ابن جريج : ومن يعص الله ورسوله ، قال : من أصاب من الذنوب ما يعذّب الله عليه .

فإن قال قائل : أو يخلد في النار من عصى الله ورسوله في قسمة المواريث ؟ قيل : نعم ، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكا في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الاَيتين ، أو علم ذلك ، فحاد الله ورسوله في أمرهما على ما ذكر ابن عباس من قول من قال حين نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أوْلادِكُمُ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } . . . إلى تمام الاَيتين : أيورث من لا يركب الفرس ، ولا يقاتل العدوّ ، ولا يحوز الغنيمة نصف المال أو جميع المال ؟ استنكارا منهم قسمة الله ما قسم لصغار ولد الميت ونسائه وإناث ولده ، ممن خالف قسمة الله ما قسم من ميراث أهل الميراث بينهم ، على ما قسمه في كتابه ، وخالف حكمه في ذلك وحكم رسوله ، استنكارا منه حكمهما ، كما استنكره الذين ذكر أمرهم ابن عباس ممن كان بين أظهر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين الذين فيهم نزلت وفي أشكالهم هذه الاَية ، فهو من أهل الخلود في النار ، لأنه باستنكاره حكم الله في تلك يصير بالله كافرا ومن ملة الإسلام خارجا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (14)

{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } توحيد الضمير في يدخله ، وجمع { خالدين } للفظ والمعنى . وقرأ نافع وابن عامر { ندخله } بالنون و{ خالدين } حال مقدرة كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، وكذلك خالدا وليستا صفتين لجنات ونارا وإلا لوجب إبراز الضمير لأنهما جريا على غير من هما له .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (14)

وقوله : { ومن يعص الله ورسوله } الآية ، قرأ نافع وابن عامر «ندخله » بنون العظمة ، وقرأ الباقون يدخله بالياء فيهما جميعاً ، وهذه آيتا وعد ووعيد ، وتقدم الإيجاز في ذلك ، ورجَّى الله تعالى على التزام هذه الحدود في قسمة الميراث ، وتوعد على العصيان فيها بحسب إنكار العرب لهذه القسمة ، وقد كلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن وغيره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (14)

قولُه : { خالداً فيها } استُعمل الخلود في طول المدّة . أو أريد من عصيان الله ورسوله العصيان الأتمُّ وهو نبذ الإيمان ، لأنّ القوم يومئذ كانوا قد دخلوا في الإيمان ونبذوا الكفر ، فكانوا حريصين على العمل بوصايا الإسلام ، فما يخالف ذلك إلاّ من كان غير ثابت الإيمان إلاّ من تاب .

ولعلّ قوله : { وله عذاب مهين } تقسيم ، لأنّ العصيان أنواع : منه ما يوجب الخلود ، ومنه ما يوجب العذاب المهين ، وقرينة ذلك أنّ عطف { وله عذاب مهين } على الخلود في النار لا يُحتاج إليه إذا لم يكن مراداً به التقسيم ، فيضطرّ إلى جعله زيادةَ توكيد ، أو تقول إنّ محط العطف هو وصفه بالمهين لأنّ العرب أباة الضيم ، شمّ الأنوف ، فقد يحذرون الإهانة أكثر ممّا يحذرون عذاب النار ، ومن الأمثال المأثورة في حكاياتهم ( النار ولا العار ) . وفي كتاب « الآداب » في أعجاز أبياته « والحرّ يصبر خوف العار للنار » .

وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر { ندخله } في الموضعين هنا بنون العظمة ، وقرأه الجمهور بياء الغيبة والضمير عائد إلى اسم الجلالة .