قوله تعالى : { وإذا جاؤوكم قالوا } ، يعني : هؤلاء المنافقين ، وقيل : هم الذين قالوا : { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } ، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : قوله تعالى : { آمنا } بك ، وصدقناك فيما قلت ، وهم يسرون الكفر .
قوله تعالى : { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } ، يعني : دخلوا كافرين ، وخرجوا كافرين .
{ وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنّا وَقَدْ دّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : وإذا جاءكم أيها المؤمنون هؤلاء المنافقون من اليهود ، قالوا لكم : «آمنا » : أي صدّقنا بما جاء به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، واتبعناه على دينه ، وهم مقيمون على كفرهم وضلالتهم ، قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم ويضمرونه في صدورهم ، وهم يبدون كذبا التصديق لكم بألسنتهم . وقَدْ خَرَجُوا به يقول : وقد خرجوا بالكفر من عندكم كما دخلوا به عليكم لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم وضلالتهم ، يظنون أن ذلك من فعلهم يخفي على الله جهلاً منهم بالله . وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا كانُوا يَكْتُمُونَ يقول : والله أعلم بما كانوا عند قولهم لكم بألسنتهم : آمنا بالله وبمحمد وصدّقنا بما جاءبه ، يكتمون منهم بما يضمرونه من الكفر بأنفسهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذَا جاءَكَمْ قالُوا آمَنّا . . . الاَية : أنا من اليهود كانوا يدخلون على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به ، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر ، وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَإذَا جاءُكمْ قالُوا آمَنّا ، وَقَدْ دَخَلُوا بالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ قال : هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهود . يقول : دخلوا كفارا وخرجوا كفارا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَإذَا جاءُكُمْ قالُوا آمَنّا وَقَدْ دَخَلُوا بالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وإنهم دخلوا وهم يتكلمون بالحقّ وتُسِرّ قلوبهم الكفر ، فقال : دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإذَا جاءُكمْ قالُوا آمَنّا وَقَدْ دَخَلُوا بالكُفْرِ وَهُمْ خَرَجُوا بِهِ وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بالّذِي أُنْزِلَ على الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ فإذا رجعوا إلى كفارهم من أهل الكتاب وشياطينهم ، رجعوا بكفرهم . وهؤلاء أهل الكتاب من يهود .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : وَقَدْ دَخَلُوا بالكُفْرِ وَهُمْ قَدح خَرَجُوا بِهِ : أي إنه من عندهم .
{ وإذا جاءوكم قالوا آمنا } نزلت في يهود نافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في عامة المنافقين . { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } أي يخرجون من عندك كما دخلوا لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك ، والجملتان حالان من فاعل قالوا وبالكفر وبه حالان من فاعلي دخلوا وخرجوا ، وقد وإن دخلت لتقريب الماضي من الحال ليصح أن يقع حالا أفادت أيضا لما فيها من التوقع أن أمارة النفاق كانت لائحة عليهم ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يظنه ولذلك قال : { والله أعلم بما كانوا يكتمون } أي من الكفر ، وفيه وعيد لهم .
الضمير في { جاؤوكم } لليهود المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم وخاصة للمنافقين . نص على ذلك ابن عباس وقتادة والسدي ، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم دخلوا وهم كفار وخرجوا كذلك لم تنفعهم الموعظة ولا نفع فيهم التذكير ، وقوله : { وهم } تخليص من احتمال العبارة أن يدخل قوم بالكفر ثم يؤمنوا ويخرج قوم وهم كفرة فكان ينطبق على الجميع وقد دخلوا بالكفر وقد خرجوا به ، فأزال الاحتمال قوله تعالى : { وهم قد خرجوا به } أي هم بأعيانهم ثم فضحهم تعالى بقوله : { والله أعلم بما كانوا يكتمون } أي من الكفر .
عطف { وإذا جاؤوكم } على قوله : { وإذا ناديتم إلى الصّلاة اتّخذوها هزؤاً } [ المائدة : 58 ] الآية ، وخصّ بهذه الصّفات المنافقون من اليهود من جملة الّذين اتّخذوا الدّين هزوءاً ولعباً ، فاستُكمِل بذلك التّحذيرُ ممّن هذه صفتهم المعلنين منهم والمنافقين . ولا يصحّ عطفه على صفات أهل الكتاب في قوله : { وجَعَلَ منهم القردة } [ المائدة : 60 ] لعدم استقامة المعنى ، وبذلك يستغني عن تكلّف وجه لهذا العطف .
ومعنى قوله : { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } أنّ الإيمان لم يخالط قلوبهم طَرْفَةَ عين ، أي هم دخلوا كافرين وخرجوا كذلك ، لشدّة قسوة قلوبهم ، فالمقصود استغراق الزمنين وما بينهما ، لأنّ ذلك هو المتعارف ، إذ الحالة إذا تبدّلت استمرّ تبدّلها ، ففي ذلك تسجيل الكذب في قولهم : آمنّا ، والعرب تقول : خرج بغير الوَجه الذي دخل به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.