معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (8)

وهي التي يقول الله فيها :{ التي لم يخلق مثلها في البلاد } وسموا ذات العماد لهذا لأنهم كانوا أهل عمد سيارة ، وهو قول قتادة ومجاهد والكلبي ، ورواية عطاء ، عن ابن عباس ، وقال بعضهم : سموا ذات العماد لطول قامتهم . قال ابن عباس : يعني طولهم مثل العماد . وقال مقاتل : كان أطول أحدهم اثني عشر ذراعاً . وقوله : { لم يخلق مثلها في البلاد } أي : لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة ، وهم الذين قالوا : { من أشد منا قوة }( فصلت-15 ) وقيل : سموا ذات العماد لبناء بناه بعضهم فشيد عمده ، ورفع بناءه ، يقال : بناه شداد بن عاد على صفة لم يخلق في الدنيا مثله ، وسار إليه في قومه ، فلما كان منه على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى قومه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعاً .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (8)

وقوله : الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ يقول جلّ ثناؤه : ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم التي لم يخلق مثلها في البلاد ، يعني : مثل عاد ، والهاء عائدة على عاد . وجائز أن تكون عائدة على إرم ، لما قد بيّنا قبلُ أنها قبيلة . وإنما عُنِي بقوله : لم يُخلق مثلها في العِظَمِ والبطش والأَيْد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ : ذكر أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولاً في السماء .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد ، لم يخلق مثل الأعمدة في البلاد ، وقالوا : التي لم يخلق مثلها من صفة ذات العماد ، والهاء التي في مثلها إنما هي من ذكر ذات العماد . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ، فذكر نحوه .

وهذا قول لا وجه له ، لأن العماد واحد مذكر ، والتي للأنثى ، ولا يوصف المذكر بالتي ، ولو كان ذلك من صفة العِماد لقيل : الذي لم يخلق مثله في البلاد ، وإن جعلت التي لإرم ، وجعلت الهاء عائدة في قوله : مِثْلُها عليها وقيل : هي دِمشق أو إسكندرية ، فإن بلاد عاد هي التي وصفها الله في كتابه فقال : وَاذْكُرْ أخا عَادٍ إذْ أنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقافِ والأحقاف : هي جمع حِقْف ، وهو ما انعطف من الرمل وانحنى ، وليست الإسكندرية ولا دمشق من بلاد الرمال ، بل ذلك الشّحْر من بلاد حضرموت ، وما والاها .