فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (8)

{ التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد } هذه صفة لعاد : أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والشدّة والقوّة ، وهم الذين قالوا : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] أو صفة للقرية على قول من قال : إن إرم اسم لقريتهم أو للأرض التي كانوا فيها . والأوّل أولى ، ويدل عليه قراءة أبيّ «التي لم يخلق مثلهم في البلاد » وقيل : الإرم الهلاك . قال الضحاك : { إرم ذات العماد } أي أهلكهم فجعلهم رميماً ، وبه قال شهر بن حوشب . وقد ذكر جماعة من المفسرين أن إرم ذات العماد اسم مدينة مبنية بالذهب والفضة قصورها ودورها وبساتينها وإن حصباءها جواهر وترابها مسك ، وليس بها أنيس ولا فيها ساكن من بني آدم ، وإنها لا تزال تنتقل من موضع إلى موضع ، فتارة تكون باليمن ، وتارة تكون بالشام ، وتارة تكون بالعراق ، وتارة تكون بسائر البلاد ، وهذا كذب بحت لا ينفق على من له أدنى تميز . وزاد الثعلبي في تفسيره فقال : إن عبد الله بن قلابة في زمان معاوية دخل هذه المدينة ، وهذا كذب على كذب وافتراء على افتراء ، وقد أصيب الإسلام وأهله بداهية دهياء وفاقرة عظمى ورزية كبرى من أمثال هؤلاء الكذابين الدجالين الذين يجترئون على الكذب ، تارة على بني إسرائيل ، وتارة على الأنبياء ، وتارة على الصالحين ، وتارة على ربّ العالمين ، وتضاعف هذا الشرّ وزاد كثرة بتصدّر جماعة من الذين لا علم لهم بصحيح الرواية من ضعيفها من موضوعها للتصنيف والتفسير للكتاب العزيز ، فأدخلوا هذه الخرافات المختلفة والأقاصيص المنحولة والأساطير المفتعلة في تفسير كتاب الله سبحانه ، فحرّفوا وغيروا وبدّلوا . ومن أراد أن يقف على بعض ما ذكرنا فلينظر في كتابي الذي سميته «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة » .

/خ14