قوله : { التي لَمْ يُخْلَقْ } : يجوز أن يكون : تابعاً ، وأن يكون : مقطوعاً ، رفعاً ونصباً .
والعامة على : «يُخْلَق » مبنياً للمفعول ، «مِثْلُهَا » مرفوع على ما لم يسم فاعله .
وعن ابن الزُّبيرِ{[60096]} : «يَخْلقُ » مبنياً للفاعل ، «مِثْلها » منصوب به ، وعنه أيضاً : «نَخْلقُ »{[60097]} بنون العظمة .
قال القرطبيُّ{[60098]} : من لم يضف جعل «إرم » : اسم «عاد » ، ولم يصرفه ؛ لأنه جعل «عاداً » اسم أبيهم ، و«إرم » : اسم القبيلة ، وجعله بدلاً منه ، أو عطف بيان .
ومن قرأه بالإضافة ولم يصرفه جعله اسم أمهم ، أو اسم بلدتهم ، وتقديره : بعادٍ أهل إرمَ ، كقوله : { وَسْأَلِ القرية } [ يوسف : 82 ] ، ولم تنصرف - قبيلة كانت ، أو أرضاً - للتعريف والتأنيث .
والإرم : العلم ، أي : بعاد أهل ذات العلم ، والخطاب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والمراد عام ، وكان أمر عاد وثمود عندهم مشهوراً ، إذا كانوا في بلاد العرب ، وحجر ثمود موجود اليوم ، وأمر فرعون يسمعونه من جيرانهم من أهل الكتاب ، واستفاضت به الأخبار ، وبلاد فرعون متصلة بأرض العرب .
قوله : «بعَادٍ » ، أي : بقوم عاد .
قال أبو هريرة : كان الرجل من قوم عادٍ ، يتخذ المصراع من حجارة ، لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة ، لم يستطيعوا أن يقلوه{[60099]} .
[ وإرم قال ابن إسحاق : هو سام بن نوح عليه السلام .
وعن ابن عباس وابن إسحاق أيضاً قال : عاد بن إرم بن عاص بن سام بن نوح عليه السلام{[60100]} .
قال ابن إسحاق : كان سام بن نوح له أولاد منهم إرم بن سام ، وأرفخشذ بن سام ؛ فمن ولد إرم بن سام العمالقة والفراعنة والجبابرة والملوك والطغاة والعصاة ]{[60101]} .
وإرم : قال مجاهد : «إرم » هي أمة من الأمم ، وعنه أيضاً : ان معنى «إرم » : القديمة ، وعنه أيضاً : القوية{[60102]} .
وقال قتادةُ : هي قبيلة من عاد{[60103]} .
وقيل : هما عادان ، فالأولى : هي «إرم » ، قال تعالى : { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى } [ النجم : 50 ] ، فقيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح : عاد كما يقال لبني هاشم : هاشم ، ثم يقال للأولين منهم : عاداً الأولى ، وإرم : تسمية لهم باسم جدهم ، ولمن بعدهم : عاد الأخيرة ؛ قال ابن الرقيَّات : [ المنسرح ]
5195- مَجْداً تَلِيداً بَناهُ أوَّلهُ *** أدْركَ عاداً وقَبْلهَا إرَمَا{[60104]}
وقال معمر : «إرم » : إليه مجمع عاد وثمود ، وكان يقال : عاد وإرم ، وعاد وثمود ، وكانت القبائل تنسب إلى إرم ، «ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد » .
قال ابنُ عبَّاسٍ في رواية عطاء : كان الرَّجل منهم ، طوله خمسمائة ذراع ، والقصير منهم ، طوله ثلاثمائة ذراع بذراع نفسه{[60105]} .
وعن ابن عبَّاسٍ أيضاً : أن طول الرجل منهم ، كان سبعين ذراعاً{[60106]} .
قال ابن العربي : وهو باطل ؛ لأن في الصحيح : «أنَّ اللهَ خَلقَ آدَمَ طُولهُ سِتُّونَ ذِراعاً في الهواءِ ، فَلم يزل الخَلْقُ يَنْقصُ إلى الآنَ » .
وزعم قتادةُ : أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعاً{[60107]} .
قال أبو عبيدة : «ذَاتِ العمادِ » : أي : ذات الطول ، يقال : رجل معمد إذا كان طويلاً ونحوه عن ابن عباس ، ومجاهد .
وعن قتادة : كانوا عماداً لقومهم ، يقال : فلان عميد القوم وعمودهم : أي : سيدهم ، وعنه أيضاً : كانوا أهل خيام وأعمدة ينتجعون الغيوث ، ويطلبون الكلأ ، ثم يرجعون إلى منازلهم .
وقيل : المعنى : ذات الأبنية المرفوعة على العمد ، وكانوا ينصبون الأعمدة ، فيبنون عليها القصور .
وقال ابن زيد : ذَاتِ العِمادَ «يعني : إحكام البنيان بالعمد{[60108]} .
قال الجوهري{[60109]} : «والعماد : الأبنية الرفيعة ، تذكر وتؤنث ، والواحدة : عمادة » .
وقال الضحاك : «ذات العماد » أي ذات الشدة والقوة مأخوذة من قوة الأعمدة بدليل قوله تعالى : { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً }{[60110]} [ فصلت : 15 ] .
والضمير في : «مِثلُهَا » يرجع إلى القبيلة ، أي : لم يخلق مثل القبيلة في البلاد قوة وشدة ، وعظم أجساد .
وعن الحسن وغيره : وفي حرف عبد الله{[60111]} : «التي لم يخلق مثلهم في البلاد » .
وقيل : يرجع إلى المدينة ، والأول أظهر وعليه الأكثر .
قال القرطبيُّ{[60112]} : «رُويَ عن مالك رضي الله عنه أن كتاباً وجد «بالاسكندرية » فلم يدر ما فيه ، فإذا فيه «أنَا شدَّادُ بنُ عادٍ ، الذي رفَعَ العِمَادَ ، بنيتها حين لا شَيْبَ ولا مَوْتَ » قال مالك : إن كان لتمرُّ بهم مائة سنة لا يرون فيها جنازة » .
وروي : أنه كان لعاد ابنان : شدَّاد ، وشديد ، ثم مات شديد ، وخلص الأمر لشداد ، فملك الدنيا ، ودانت له ملوكها ، فسمع بذكر الجنة ، فقال : أبني مثلها ، فبنى إرم في بعض صحارى عدن ، في ثلاثمائة سنة ، وكان عمره تسعمائة سنة ، وهي مدينة عظيمة ، قصورها من الذهب ، والفضة ، وأساطينها من الزَّبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، ولما تمَّ بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا .
وعن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له ، فوقع عليها ، فحمل مما قدر عليه مما هنا ، وبلغ خبره معاوية ، فاستحضره ، فقص عليه ، فبعث إلى كعب فسأله ، فقال : هي إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر ، قصير ، على حاجبه خال ، وعلى عقبه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت ، فأبصر ابن قلابة ، وقال : هذا والله ذلك الرجل .
فصل في إجمال القول في الكفار هاهنا
ذكر الله - تعالى - هاهنا - قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين ، وهم : عاد ، وثمود ، وقوم فرعون ، على سبيل الإجمال حيث قالوا : «فَصَبَّ عَليْهَم ربُّكَ سوْطَ عذابٍ » ، ولم يبين كيفية ذلك العذاب ، وبين في سورة : «الحاقَّة » ، ما أبهم{[60113]} في هذه السورة ، فقال تعالى : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [ الحاقة : 5 ، 6 ] إلى قوله : { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ والمؤتفكات بِالْخَاطِئَةِ } [ الحاقة : 9 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.