التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الدخان

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الدخان " من السور المكية ، وعدد آياتها : تسع وخمسون آية في المصحف الكوفي ، وسبع وخمسون في البصري ، وست وخمسون في غيرها . وكان نزولها بعد سورة " الزخرف " .

2- وقد افتتحت بالثناء على القرآن الكريم ، وأنه قد أنزله –سبحانه- في ليلة مباركة ، قال –تعالى- : [ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . . . ] .

3- ثم تحدثت عن جانب من العقوبات الدنيوية التي عاقب الله –تعالى- بها كفار قريش ، وذكرت ما تضرعوا به إلى الله لكي يكشف عنهم ما نزل بهم من بلاء ، فلما كشفه –تعالى- عنهم عادوا إلى كفرهم وعنادهم . . .

قال –تعالى- : [ بل هم في شك يلعبون . فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشي الناس هذا عذاب أليم . ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون . . ] .

4- ثم ساقت جانبا من قصة فرعون مع موسى –عليه السلام- ، فبينت أن موسى دعا فرعون وقومه إلى وحدانية الله –تعالى- ، ولكنهم أصروا على كفرهم ، فكانت عاقبتهم الإغراق في البحر ، دون أن يحزن لهلاكهم أحد ، وأنهم قد تركوا من خلقهم ما تركوا من جنات ونعيم .

قال –تعالى- : [ كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين . كذلك وأورثناها قوما آخرين . فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين . . . ] .

5- وبعد أن هددت السورة الكريمة مشركي مكة على أقوالهم الباطلة في شأن البعث ، وردت عليهم بما يدحض حجتهم ، أتبعت ذلك ببيان سوء عاقبة الكافرين ، وحسن عاقبة المؤمنين ، وختمت بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أذى ، ووعدته بالنصر على أعدائه ، قال –تعالى- : [ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون . فارتقب إنهم مرتقبون ] .

6- هذا والمتدبر في هذه السورة الكريمة يراها تمتاز بقصر الآيات ، وبأسلوبها الذي تبرز فيه ألوانا متعددة من تهديد المشركين ، تارة عن طريق تذكيرهم بالقحط الذي نزل بهم ، وتارة عن طريق ما حل بالمكذبين من قبلهم ، وتارة عن طريق ما ينتظرهم من عذاب مهين ، إذا ما استمروا على كفرهم . . .

كما يراها تثنى على القرآن بألوان متعددة من الثناء ، ونبشر المتقين ببشارات متنوعة ، وتطوف بالنفس الإنسانية في عوالم شتى ، لتهديها إلى الصراط المستقيم ، ولترشدها إلى طريق الحق واليقين .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

كتبه الراجي عفو ربه

د . محمد سيد طنطاوي

القاهرة : مدينة نصر

مساء الجمعة 25 من صفر سنة 1406ه

8/11/1985م

سورة " الدخان " من السور المبدوءة بالحروف المقطعة ، وقد سبق أن قلنا إن أقرب الآراء إلى الصواب فى معناها : أن الله - تعالى - جاء بها فى أوائل بعض السور للتحدى والتعجيز والتنبيه إلى أن هذا القرآن من عند الله - عز وجل - فكأنه - تعالى - يقول للمذكبين : هذا هو القرآن ، مؤلف من كلمات وحروف هى من جنس ما تتخاطبون به ، فإن كنتم فى شك فى كونه من عنده - تعالى - فأتوا بسورة من مثله . . فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة { حم الدخان } . روى الترمذي بسندين ضعيفين يعضد بعضهما بعضا : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ حم الدخان في ليلة أو في ليلة الجمعة " الحديث .

واللفظان بمنزلة اسم واحد لأن كلمة { حم } غير خاصة بهذه السورة فلا تعد علما لها ، ولذلك لم يعدها صاحب الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من اسم .

وسميت في المصاحف وفي كتب السنة ( سورة الدخان ) .

ووجه تسميتها بالدخان وقوع لفظ الدخان فيها المراد به آية من آيات الله أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فلذلك سميت به اهتماما بشأنه ، وإن كان لفظ { الدخان } بمعنى آخر قد وقع في سورة { حم تنزيل } في قوله { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } وهي نزلت قبل هذه السورة على المعروف من ترتيب تنزيل سور القرآن عن رواية جابر بن زيد التي اعتمدها الجعبري وصاحب الإتقان على أن وجه التسمية لا يوجبها .

وهي مكية كلها في قول الجمهور . قال ابن عطية : هي مكية لا أحفظ خلافا في شيء منها . ووقع في الكشاف استثناء قوله { إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون } ولم يعزه إلى قائل ، ومثله القرطبي ، وذكره الكواشي قولا وما عزاه إلى معين .

وأحسب أنه قول نشأ عما فهمه القائل ، وسنبينه في موضعه .

وهي السورة الثالثة والستون في عد نزول السور في قول جابر بن زيد ، نزلت بعد سورة الزخرف وقبل سورة الجاثية في مكانها هذا .

وعدت آيها ستا وخمسين عند أهل المدينة ومكة والشام ، وعدت عند أهل البصرة سبعا وخمسين ، وعند أهل الكوفة تسعا وخمسين .

أغراضها

أشبه افتتاح هذه السورة فاتحة سورة الزخرف من التنويه بشأن القرآن وشرفه وشرف وقت ابتداء نزوله ليكون ذلك مؤذنا أنه من عند الله ودالا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وليتخلص منه إلى أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاء واللمز عن التدبر فحق عليهم دعاء الرسول بعذاب الجوع ، إيقاظا لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائل العقلية ، ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه أرسله ليبلغ عنه مراده .

فأنذرهم بعذاب يحل بهم علاوة على ما دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم تأييدا من الله له بما هو زائد على مطلبه .

وضرب لهم مثلا بأمم أمثالهم عصوا رسل الله إليهم فحل بهم من العقاب من شأنه أن يكون عظة لهؤلاء ، تفصيلا بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه ، ودون التفصيل بقوم تبه ، وإجمالا وتعميما بالذين من قبل هؤلاء .

وإذ كان إنكار البعث وإحالته من أكبر الأسباب التي أغرتهم على إهمال التدبر في مراد الله تعالى انتقل الكلام إلى إثباته والتعريف بما يعقبه من عقوبة المعاندين ومثوبة المؤمنين ترهيبا وترغيبا .

وأدمج فيها فضل الليلة التي أنزل فيها القرآن ، أي ابتدئ إنزاله وهي ليلة القدر .

وأدمج في خلال ذلك ما جرت إليه المناسبات من دلائل الوحدانية وتأييد الله من آمنوا بالرسل ، ومن إثبات البعث .

وختمت بالشد على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بانتظار النصر وانتظار الكافرين القهر .

القولُ في نظائره تقدم .