معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

قوله عز وجل : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله تعالى { الذين بدلوا نعمة الله كفراً } ، قال : هم والله كفار قريش . وقال عمرو : هم قريش ، ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله . { وأحلوا قومهم دار البوار } ، قال : البوار يوم بدر ، قوله { بدلوا نعمة الله } أي : غيروا نعمة الله عليهم في محمد صلى الله عليه وسلم حيث ابتعثه الله تعالى منهم كفرا كفروا به فأحلوا ، أي : أنزلوا ، قومهم ممن تابعهم على كفرهم دار البوار الهلاك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مصير الجاحدين الذين قابلوا نعم الله بالكنود والجحود ، وأمر المؤمنين بأداء ما كلفهم به - سبحانه - من عبادات وقربات ، وساق لهم ألوانا من الآلاء التى تفضل بها على عباده ، فقال - تعالى - :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ . . . } .

قوله - سبحانه - { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً . . } الخطاب فيه للنبى - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب .

والاستفهام للتعجيب من أحوالهم الذميمة .

وبدلوا من التبديل بمعنى التغيير والتحويل ، والمراد به : وضع الشئ فى غير وضعه ومقابلة نعم الله بالجحود وعدم الشكر .

ونعمة الله التى بدلوها ، تشمل كفرهم بالرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى أرسله الله - تعالى - لإِخراجهم من الظلمات إلى النور ، كما تشمل إكرام الله لهم - أى لهم مكة - بأن جعلهم فى حرم آمن ، وجعلهم سدنة بينة . . ولكنهم لم يشكروا الله على هذه النعم ، بل أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى .

قال صاحب الكشاف ما ملخصه : " قوله : { بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله } لأن شكرها الذى وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا ، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا .

وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمه ، وجعلهم قوام بينه ، وأكرمهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم ، أو أصابهم الله بالنعمة فى الرخاء والسعة لإِيلافهم الرحلتين ، فكفروا نعمته ، فضربهم بالقحط سبع سنين ، فحصل لهم الكفر بدل النعمة ، وكذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر ، قد ذهبت النعمة عنهم ، وبقى الكفر طوقا فى أعناقهم . . "

وقال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : " قال البخارى قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً . . } حدثنا على بن عبدالله حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، سمع ابن عباس قال : هم كفار أهل مكة .

ثم قال ابن كثير : وهذا هو الصحيح ، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار ، فإن الله - تعالى - " بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ، ونعمة للناس ؛ فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة ، ومن ردها وكفرها دخل النار . . " .

وما ذهب إليه صاحب الكشاف وابن كثير - رحمهما الله - هو الذى تطمئن إليه النفس ، لأن مشركى مكة ومن سار على شاكلتهم تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة .

وقد أورد بعض المفسرين هنا روايات فى أن المراد بهؤلاء الذين بدلوا نعمة الله كفراً ، بنو أمية وبنو مخزوم . . ولكن هذه الروايات بعيدة عن الصواب ، ولا سند لها من النقل الصحيح .

وقوله { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار } معطوف على { بدلوا } لبيان رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة والمراد بقومهم : أتباعهم وشركاؤهم فى الكفر والعناد حتى ماتوا على ذلك .

والبوار : الهلاك والخسران ، ويطلق أيضا على الكساد . يقال : بار المتاع بوارا ، إذا كسد ، إذ الكاسد فى حكم الهالك .

والمعنى : ألم تر - أيها العاقل - إلى حال هؤلاء المشركين ، الذين قابلوا نعم الله عليهم بالكفر والجحود ، وكانوا سببا فى إنزال قومهم دار الهلالك والخسران .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

وقوله : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية ، هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا ، والتقدير : بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، وهذا كقوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون }{[7074]} [ الواقعة : 82 ] .

و { نعمة الله } المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه ، أنعم الله به على قريش ، فكفروا النعمة ولم يقبلوها ، وتبدلوا بها الكفر .

والمراد ب { الذين } كفرة قريش جملة - هذا بحسب ما اشتهر من حالهم - وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين . وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب : أنها نزلت في الأفجرين من قريش : بني مخزوم وبني أمية . قال عمر : فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر{[7075]} . وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وقال ابن عباس : هذه الآية في جبلة بن الأيهم{[7076]} .

قال القاضي أبو محمد : ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته ، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة .

وقوله : { وأحلوا قومهم } أي من أطاعهم ، وكان معهم في التبديل ، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام ، و { البوار } الهلاك ، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .

يا رسول المليك إن لساني . . . فاتقٌ ما رتَقْتَ إذ أنا بُور{[7077]}

قال الطبري : وقال هو وغيره : إنه يروى لابن الزبعرى .

ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الآخرة ففسره حينئذ بقوله : { جهنم يصلونها } ، يحترقون في حرها ويحتملونه ، ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الدنيا بالقتل والخزي فتكون «الدار » قليب بدر ونحوه . وقال عطاء : نزلت هذه الآية في قتلى بدر .

قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله : { جهنم } نصباً ، على حد قولك : زيداً ضربته ، بإضمار فعل يقتضيه الظاهر .

و { القرار } : موضع استقرار الإنسان .


[7074]:الآية (82) من سورة (الواقعة)، والتقدير فيها: وتجعلون شكر رزقكم.
[7075]:الكلام عن بني مخزوم، والمراد أن الله أهلكهم يوم بدر وكفى المؤمنين شرهم.
[7076]:في الأصول كلها: "جبلة بن إبراهيم"، وهو خطأ واضح من النساخ، والصواب ما أثبتناه، وله قصة معروفة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أسلم، وأكرم عمر مقدمه، وخرج للحج مع عمر، فوطىء فزاري إزاره في الطواف، فضربه جبلة فهشم أنفه، فلما شكاه إلى عمر رضي الله عنه قال عمر: لابد من القود، قال: هو من السوقة وأنا ملك، قال عمر: الإسلام سوى بينكما، قال: إذا أتنصر، قال عمر: أضرب عنقك لأنك مسلم مرتد، فلما رأى الجد في كلام عمر رضي الله عنه هرب مع قومه إلى الشام وتنصر وعاش حزينا نادما في بلاط الروم.
[7077]:نسبه في (اللسان) إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي، وكذلك في سيرة ابن هشام أنشده ونسبه إلى ابن الزبعرى ضمن أبيات قالها حين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هاربا منه في نجران، وقد ذكر ابن عطية أن الطبري وغيره ينسبون البيت أيضا لابن الزبعرى، والراتق: الذي يصلح ما تمزق من الثوب، و فتق: شق وقطع، والمراد هنا ما أحدث في الدين، وما قاله من هجاء النبي بشعره، وهذا كله إثم يشبه الفتق في الثوب، والتوبة رتق وإصلاح له، وبور: هالك، يقال: رجل بور، وكذلك الاثنان والجمع، وقد استشهد أبو عبيدة في "مجاز القرآن" بهذا البيت منسوبا إلى ابن الزبعرى على أن البوار معناه الهلاك، وأنه يقال منه: بار يبور.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} [إبراهيم: 28].

- ابن كثير: روى مالك في تفسيره، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} قال: هم كفار قريش الذين قتلوا يوم بدر...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ألم تنظر يا محمد إلى "الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا "يقول: غيروا ما أنعم الله به عليهم من نعمه، فجعلوها كُفرا به. وكان تبديلهم نعمة الله كفرا في نبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم الله به على قريش، فأخرجه منهم، وابتعثه فيهم رسولاً رحمة لهم ونعمة منه عليهم، فكفروا به وكذّبوه، فبدّلوا نعمة الله به كفرا. وقوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" يقول: وأنزلوا قومهم من مُشركي قريش دار البوار، وهي دار الهلاك، يقال منه: بار الشيء يَبُورُ بَوْرا: إذا هلك وبطل... ثم ترجم عن دار البوار وما هي، فقيل: "جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وَبئْسَ القَرَارِ" يقول: وبئس المستقرّ هي جهنم لمن صلاها...

عن ابن عباس، في قوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" قال: هم المشركون من أهل بدر...

عن قتادة، في قوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" قال: هم قادة المشركين يوم بدر...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً} يعني غيّروا نعمة الله عليهم في تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله منهم وفيهم فكفروا به وكذبوه فيصيروا نعمة الله عليهم كفراً، {وَأَحَلُّواْ}: وأنزلوا {قَوْمَهُمْ} ممن تابعهم على كفرهم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً} فيهم خمسة أقاويل:

الخامس: أنها عامة في جميع المشركين، قاله الحسن.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{بَدَّلُواْ نِعْمَتَ الله} أي شكر نعمة الله {كُفْراً} لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفراً، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلاً... ووجه آخر: وهو أنهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنهم لما كفروها سلبوها فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر، حاصلاً لهم الكفر بدل النعمة...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وأحلوا قومهم} أي من أطاعهم، وكان معهم في التبديل، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

لما ذكر حال المؤمنين وهداهم، وحال الكافرين وإضلالهم، ذكر السبب في إضلالهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أخبر سبحانه أنه هو الفاعل وحده، أتبعه الدليل عليه وعلى إضلال الذين بدلوا الكلمة الطيبة من التوحيد بالإشراك وزلزلتهم واجتثاث كلمتهم فقال: {ألم تر} وأشار إلى بعدهم عن مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: {إلى الذين بدلوا} والتبديل: جعل الشيء مكان غيره {نعمت الله} أي المستجمع لصفات الكمال التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد، وما أورثهم من دين أبيهم إسماعيل عليه السلام ومن جميع النعم الدنيوية من أمن البلد وتيسير الرزق وغير ذلك، بأن جعلوا مكان شكرها {كفراً} وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأعلاهم همماً في الوفاء، وأبعدهم عن الخناء {وأحلوا قومهم} بذلك {دار البوار} أي الهلاك، مع ادعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلاً عن الأهل...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{أَلَمْ تَرَ} تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد مما صنع الكفرةُ من الأباطيل التي لا تكاد تصدُر عمن له أدنى إدراك...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} وهي النار حيث تسببوا لإضلالهم، فصاروا وبالا على قومهم، من حيث يظن نفعهم، ومن ذلك أنهم زينوا لهم الخروج يوم "بدر "ليحاربوا الله ورسوله، فجرى عليهم ما جرى، وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يبدأ هذا الشوط الثاني من نهاية الشوط الأول،قائما عليه،متناسقا معه،مستمدا منه. لقد تضمن الشوط الأول رسالة الرسول [ص] ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. ورسالة موسى -عليه السلام- لقومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور،ويذكرهم بأيام الله. فبين لهم وذكرهم بنعمة الله عليهم،وأعلن لهم ما تأذن الله به:لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.. ثم عرض عليهم قصة النبوات والمكذبين. بدأها ثم توارى عن السياق؛ وتابعت القصة أدوارها ومشاهدها حتى انتهت بالكافرين إلى ذلك الموقف،الذي يستمعون فيه من الشيطان عظته البليغة! حيث لا تنفع العظات! فالآن يعود السياق إلى المكذبين من قوم محمد [ص] بعد ما عرض عليهم ذلك الشريط الطويل -أولئك الذين أنعم الله عليهم- فيما أنعم -برسول يخرجهم من الظلمات إلى النور،ويدعوهم ليغفر الله لهم،فإذا هم يكفرون النعمة،ويردونها،ويستبدلون بها الكفر،يؤثرونه على الرسول وعلى دعوة الإيمان.. ومن ثم يبدأ الشوط الثاني بالتعجيب من أمر هؤلاء الذين يبدلون نعمة الله كفرا،ويقودون قومهم إلى دار البوار،كما قاد من قبلهم أتباعهم إلى النار. في قصة الرسل والكفار. ثم يستطرد إلى بيان نعم الله على البشر في أضخم المشاهد الكونية البارزة ويقدم نموذجا لشكر النعمة:إبراهيم الخليل- بعد أن يأمر الذين آمنوا بلون من ألوان الشكر هو الصلاة والبر بعباد الله -قبل أن يأتي يوم لا تربو فيه الأموال. يوم لا بيع فيه ولا خلال. فأما الذين كفروا فليسوا بمتروكين عن غفلة ولا إهمال،إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.. وأما وعد الله لرسله فهو واقع مهما يمكر الذين كفروا وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.. وهكذا يتماسك الشوط الثاني مع الشوط الأول ويتناسق.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

إن الآية عامة تشمل كل من أنعم الله عليه بنعمة، فبدل أن يضعها في موضعها يتخذها أداة للطغيان والضلال، فتكون كفرا، وأنهم بسبب ذلك الطغيان الذي يستخدمون النعمة طريقا له ويكفرون {وأحلوا قومهم دار البوار}، أي الهلاك، أي ينزلون قومهم من عزة الإنسانية إلى الذل فيكون ذلك طريقا لانحدارهم إلى الهلاك، وأصحاب النعم التي يكفرونها هم الذين يفسدون أقوامهم، ويأخذونهم إلى حيث الفناء، وفناء الأمم والأقوام بشيوع الكفر والجحود فيها...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

مع صلة الآيات بظروف السيرة النبوية فإنها تحتوي تلقينا مستمر المدى في تقرير مسؤولية الزعماء الفاسدين المنحرفين، وما يمكن أن يقترفوه من إثم كبير في توجيه أمتهم على الفساد والانحراف اقتداء بهم أولا، وفي توجيه المسلم إلى وجهة الخير الدائم في عبادة الله وإنفاق المال في شتى وجوه البر وفي السر والعلن ابتغاء رضاء الله ثانيا، مما تكرر كثيرا ومرت منه أمثلة عديدة...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وحين يقول الحق سبحانه: {ألم تر...} فهذا يعني أن المُخبر وهو الحق إذا ما أخبرنا بشيء فهو أصدق من أن تراه أعيننا...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا}، فلم يستجيبوا لما تفرضه عليهم نعمته من مسؤولية الشكر العملي بالإيمان والطاعة، بل عملوا على توجيه النعمة بالاتجاه المعاكس الذي لا يريد الله أن تسير فيه، وحولوها بذلك من مصدر خيرٍ ونجاةٍ للناس، إلى مصدر شرّ وهلاك لهم وللحياة، فضلّوا وأضلّوا {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} أي دار الهلاك.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الخطاب في هذه الآيات موجّه للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في الحقيقة عرض لواحد من موارد «الشجرة الخبيثة»...

هؤلاء هم جذور الشّجرة الخبيثة وقادة الكفر والانحراف، لديهم أفضل نعمة وهو رسول الله، وباستطاعتهم أن يستفيدوا منه في الطريق إلى السعادة، إلاّ أنّ تعصّبهم الأعمى وعنادهم وحقدهم صارت سبباً في تركهم هذه النعمة الكبيرة، ولم يقتصروا على تركها فحسب. بل أضلّوا قومهم أيضاً ممّا جعلوهم يسلكون هذا السلوك...