النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

قوله عز وجل : { ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً } فيهم خمسة أقاويل :

أحدهما : أنهم قريش بدلوا نعمة الله عليهم لما بعث رسوله منهم ، كفراً به وجحوداً له ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد .

الثاني : أنها نزلت في الأفجرين من قريش بني أميه وبني مخزوم فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر ، قاله عليٌّ ، ونحوه عن عمر رضي الله عنهما .

الثالث : أنهم قادة المشركين يوم بدر ، قاله قتادة .

الرابع : أنه جبلة من الأيهم حين لُطم ، فجعل له عمر رضي الله عنه القصاص بمثلها ، فلم يرض وأنف فارتد متنصراً ولحق بالروم في جماعة من قومه ، قاله ابن عباس . ولما صار إلى بلاد الروم ندم فقال :

تنصَّرت الأشْرافُ من عار لطمةٍ *** وما كان فيها لو صبرت لها ضَرَرْ

تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ *** وبعث لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليتني أرْعَى المخاض ببلدتي *** ولم أنكِرِ القول الذي قاله عمر

الخامس : أنها عامة في جميع المشركين ، قاله الحسن .

ويحتمل تبديلهم نعمة الله كفراً وجهين :

أحدهما : أنهم بدلوا نعمة الله عليهم في الرسالة بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم .

الثاني : أنهم بدلوا نعم الدنيا بنقم الآخرة .

{ وأحلوا قومهم دار البوار } فيها قولان :

أحدهما : أنها جهنم ، قاله ابن زيد .

الثاني : أنها يوم بدر ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد . والبوار في كلامهم الهلاك ، ومنه قول الشاعر :

فلم أر مثلهم أبطال حربٍ *** غداة الحرب إن خيف البَوارُ