الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

قوله تعالى : { بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً } فيه أوجهٌ : أحدُها : أنَّ الأصلَ بَدَّلوا شكرَ نعمةِ [ الله ] كفراً ، كقوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [ الواقعة : 82 ] [ أي ] : شُكر رزقكم ، وَجَبَ عليهم الشكرُ فوضَعُوا موضعَه الكفرَ .

الثاني : أنهم بدَّلوا نفسَ النعمةِ كفراً ، على أنهم لمَّا كَفَروها سُلِبوها ، فبَقُوا مَسْلوبِي النعمةِ موصوفين بالكفر حاصلاً لهم . قالهما الزمخشري . قلت : وعلى هذا فلا يُحتاج إلى حَذْفِ مضاف على هذا ، وقد تقدَّم أن " بَدَّلَ " يتعدَّى لاثنين ، أَوَّلُهما من غير حرف ، والثاني بالباء ، وأن المجرورَ هو المتروكُ ، والمنصوبَ هو الحاصلُ ، ويجوز حَذْفُ الحرفِ ، فيكونُ المجرورُ بالباءِ هنا هو " نعمة " لأنها المتروكةُ . وإذا عَرَفْتَ هذا عَرَفْتَ أنَّ قولَ الحوفيِّ وأبي البقاء أنَّ " كفراً " هو المفعولُ الثاني ليس بجيدٍ ؛ لأنه هو الذي يَصِل إليه الفعل بنفسِه لا بحرف الجر ، وما كان كذا فهو المفعولُ الأول .