إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

{ أَلَمْ تَرَ } تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد مما صنع الكفرةُ من الأباطيل التي لا تكاد تصدُر عمن له أدنى إدراك ، أي ألم تنظُر { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نعمة الله } أي شكرَ نعمته تعالى بأن وضعوا موضعَه { كُفْراً } عظيماً وغمْطاً لها أو بدلوا نفسَ النعمة كفراً ، فإنهم لما كفروها سُلبوها فصاروا مستبدلين بها كفراً كأهل مكةَ حيث خلقهم الله سبحانه وأسكنهم حرمَه الآمنَ الذي يجبى إليه ثمراتُ كل شيء وجعلهم قِوامَ بيته وشرّفهم بمحمد عليه الصلاة والسلام فكفروا ذلك ، فقُحطوا سبع سنين وقُتلوا وأُسروا يوم بدر ، فصاروا أذلأَ مسلوبي النعمة باقين بالكفر بدلها . عن عمر وعلي رضي الله عنهما ( هم الأفجران من قريش : بنو المغيرةِ وبنو أمية أما بنو المغيرة فكُفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فَمُتِّعوا إلى حين ) . كأنهما يتأولان ما سيتلى من قوله عز وجل : { قُلْ تَمَتَّعُواْ } الآية { وَأَحَلُّواْ } أي أنزلوا { قَوْمَهُمْ } بإرشادهم إياهم إلى طريقة الشرك والضلالِ ، وعدمُ التعرض لحلولهم لدلالة الإحلالِ عليه إذ هو فرْعُ الحلول كقوله تعالى : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار } [ هود ، الآية 98 ] { دَارَ البوار } دارَ الهلاك الذي لا هلاكَ وراءه .