اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً } الآية اعلم أنَّه -تعالى- عاد إلى وصف الكافرين فقال -عز وجل- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ } .

قال ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- : { الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً } هم والله كفار قريش " بدَّلُوا " أي : غيروا " نعِْمةَ اللهِ " عليم في محمد -صلوات الله وسلامه عليه- حيث ابتعثه الله منهم كفروا به : " أحَلُّوا " أنزلوا : " قَوْمهُمْ " من على كفرهم : " دَارَ البَوارِ " {[19271]} الهلاك .

ثم بيَّن دار البوار فقال : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار } المستقر ، وقال عليٌّ : هم كفار قريش نُحروا يوم بدرٍ .

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو [ مخزوم ]{[19272]} ، فأما بنو أمية فمُتِّعُوا إلى حين ، وأما بنو مخزوم ، [ فأهلكوا ]{[19273]} يوم بدر قاله علي ابن أبي طالب ، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-{[19274]} .

وعن ابن عباس وقتادة -رضي الله عنهما- : نزلت في منتصري العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه .

وقال الحسنُ -رضي الله عنه- : هي عامَّة في جميع المشركين{[19275]} .

قوله تعالى : { بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً } فيه أوجه :

أحدها : أن الأصل : بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، كقوله تعالى : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [ الواقعة : 83 ] أي شكر رزقكم ؛ وجب عليهم الشكر ؛ فوضعوا موضعه الكفر .

والثاني : أنَّهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنَّهم لما كفروها سلبوها ، فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حاصلاً لهم ، قالهما الزمخشريُّ ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف مضاف ، وقد تقدَّم أن " بدَّل " يتعدى لاثنين :

أولهما : من غير حرف .

والثاني : بالباء ، وأن الجمهور هو المتروك والمنصوب هو الحاصل ، ويجوز حذف الحروف فيكون المجرور بالباء هنا هو " نِعْمَةً " ؛ لأنها المتروكة .

وإذاً عرف أنَّ قول الحوفي ، وأبي البقاءِ : أن " كُفْراً " هو المفعولُ الثاني ليس بجيد ؛ لأنه هو الَّذي يصلُ إليه الفعل بنفسه لا بحرف الجر ، ما كان كذا فهو المفعول الأول .


[19271]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/35).
[19272]:في أ: المغيرة.
[19273]:في أ: فكفيتموهم.
[19274]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/452) عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/156) عن عمر وزاد نسبته إلى للبخاري في "تاريخه" وابن المنذر وابن مردويه. وأخرجه الحاكم (2/352) من طريق أبي إسحاق عن عمر ذي مر عن علي وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وتعقبهما الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/47) حيث أورد الحديث وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو ذو مر لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي. وأثر علي أورده السيوطي في "الدر المنثور" (4/157) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
[19275]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/454) عن مجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس بمعناه.