مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

قوله تعالى :{ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ، جهنم يصلونها وبئس القرار ، وجعلوا الله أنداد ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار }

اعلم أنه تعالى عاد إلى وصف أحوال الكفار في هذه الآية فقال : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا } نزل في أهل مكة حيث أسكنهم الله تعالى حرمه الآمن . وجعل عيشهم في السعة . وبعث فيهم محمدا صلى الله عليه وسلم فلم يعرفوا قدر هذه النعمة ، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنواعا من الأعمال القبيحة .

النوع الأول : قوله : { بدلوا نعمة الله كفرا } وفيه وجوه : الأول : يجوز أن يكون بدلوا شكر نعمة الله كفرا ، لأنه لما وجب عليهم الشكر بسبب تلك النعمة أتوا بالكفر ، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا . والثاني : أنهم بدلوا نفس نعمة الله كفرا لأنهم لما كفروا سلب الله تلك النعمة عنهم فبقي الكفر معهم بدلا من النعمة . الثالث : أنه تعالى أنعم عليهم بالرسول والقرآن فاختاروا الكفر على الإيمان .

والنوع الثاني : ما حكى الله تعالى عنهم قوله : { وأحلوا قومهم دار البوار } وهو الهلاك يقال رجل بائر وقوم بور ، ومنه قوله تعالى : { وكنتم قوما بورا } .