معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي} (27)

قوله تعالى : { واحلل عقدةً من لساني } وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره ، فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته فقال فرعون لآسية امرأته إن هذا عدوي وأراد أن يقتله ، فقالت آسية : إنه صبي لا يعقل ولا يميز . وفي رواية أن أم موسى لما فطمته ردته ، فنشأ في حجر فرعون وامرأته آسية يربيانه ، واتخذاه ولداً ، فبينما هو يلعب يوماً بين يدي فرعون وبيده قضيب يلعب به إذ رفع القضيب ، فضرب به رأس فرعون ، فغضب فرعون وتطير بضربه حتى هم بقتله ، فقالت آسية : أيها الملك إنه صغير لا يفعل ، فجربه إن شئت ، وجاءت بطشتين في أحدهما الجمر وفي الآخر الجواهر ، فوضعتهما بين يدي موسى ، فأراد أن يأخذ الجواهر ، فأخذ جبريل بيد موسى ، فوضعها على النار ، فأخذ جمرة ، فوضعها في فمه فأحرقت لسانه وصارت عليه عقدة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي} (27)

وقوله : { واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي } دعاء ثالث تضرع به إلى خالقه - تعالى - أى : وأسألك يا رب أن تحل عقدة من لسانى حتى يفهم الناس قولى لهم ، وحديثى معهم ، فهما يتأتى منه المقصود ، فمن للتبعيض ، أى : واحلل عقده كائنة من عقده .

وقد روى أنه كان بلسانه حبسة ، والأرجح أن هذا هو الذى عناه ، ويؤيده قوله - تعالى - فى آية أخرى : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } قال ابن كثير : " ذلك لما كان أصابه من اللثغ ، حين عرض عليه - فرعون - التمرة والجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه . . . وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل حيث يزول العى ، ويحصل لهم فَهْم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو سأل الجميع لزال ، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بقدر الحاجة ، ولهذا بقيت بقية .

قال الحسن البصرى : سأل موسى ربه أن يحل عقدة واحدة من لسانه ، ولو سأل أكثر من ذلك لأعطى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي} (27)

{ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي } وذلك لما كان أصابه من اللثغ ، حين عرض عليه التمرة والجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، كما سيأتي بيانه ، وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل بحيث{[19258]} يزول العي ، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة . ولو سأل الجميع لزال ، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ، ولهذا بقيت بقية ، قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون أنه قال : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف 52 ] أي : يفصح بالكلام .

وقال الحسن البصري : { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي } قال : حل عقدة واحدة ، ولو سأل أكثر من ذلك أعطى .

وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل ، وعقدة لسانه ، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءًا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه ، فآتاه سؤله ، فحل عقدة من لسانه .

وقال ابن أبي حاتم : ذُكِرَ عن عَمْرو بن عثمان ، حدثنا بَقِيّة ، عن أرطأة بن المنذر ، حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب ، عنه قال : أتاه ذو قرابة له . فقال له : ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك ، ولست تعرب في قراءتك ؟ فقال القرظي : يا ابن أخي ، ألست أفهمك إذا حدثتك{[19259]} ؟ . قال : نعم . قال : فإن موسى ، عليه السلام ، إنما سأل ربه أن يحل{[19260]} عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل كلامه ، ولم يزد عليها . هذا لفظه .


[19258]:في أ: "بحيث ما".
[19259]:في أ: "حدثت"
[19260]:في ف، أ: "يحلل".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي} (27)

العُقدة : موضع ربط بعض الخيط أو الحبل ببعض آخر منه ، وهي بزنة فُعلة بمعنى مفعول كقُضة وغُرفة ؛ أطلقت على عسر النطق بالكلام أو ببعض الحروف على وجه الاستعارة لعدم تصرف اللسان عند النطق بالكلمة وهي استعارة مصرّحة ، ويقال لها حُبْسة . يقال : عَقِد اللسان كفرح ، فهو أعقد إذا كان لا يبين الكلام . واستعار لإزالتها فعل الحل المناسب العقدة على طريقة الاستعارة المكنية .

وزيادة { لِي } بعد { اشْرَحْ } وبعد { يسر } إطناب كما أشار إليه صاحب « المفتاح » لأنّ الكلام مفيد بدونه .

ولكن سلك الإطناب لما تفيده اللام من معنى العلّة ، أي اشرح صدري لأجلي ويسر أمري لأجلي ، وهي اللام الملقبة لامَ التبيين التي تفيد تقوية البيان ، فإن قوله { صدري } و { أمري } واضح أن الشرح والتيسير متعلقان به فكان قوله لي فيهما زيادة بيان كقوله : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] وهو هنا ضرب من الإلحاح في الدعاء لنفسه .

وأمّا تقديم هذا المجرور على متعلقه فليحصل الإجمال ثم التفصيل فيفيد مفاد التأكيد من أجل تكرر الإسناد .

ولم يأت بذلك مع قوله { واحْللْ عُقدةً مِن لِساني } لأنّ ذلك سؤال يرجع إلى تبليغ رسالة الله إلى فرعون فليست فائدتها راجعة إليه حتى يأتي لها بلام التبيين .

وتنكير { عقدة } للتعظيم ، أي عقدة شديدة .

و { مِن لِساني } صفة لعُقْدة . وعدل عن أن يقول : عقدة لساني ، بالإضافة ليتأتى التنكير المشعر بأنها عقدة شديدة .