قوله : { واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي } ، وذلك أن{[23936]} موسى{[23937]} كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره ، فلطم فرعون لطمةً ، وأخذ بلحيته ، فقال فرعون لآسية امرأته : إن هذا عدوِّي وأراد أن يقتله ، فقالت آسية : إنه صبي لا يَعْقِل ولا يميز جَرِّبْه إن شئت ، فجاء بطشتين في أحدهما جمر ، والآخر جوهر ، فوضعهما بين يدي موسى ، فأراد أن يأخذ الجوهر ، فأخذ جبريل عليه السلام{[23938]} يد موسى{[23939]} فوضعها على النار ، فأخذ جمرة فوضعها في فيه ، فاحترق لسانه ، ( وصارت عليه عقدة ){[23940]} .
وقيل : قرَّبا إليه ثمرةً وجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه{[23941]} .
[ قالوا ]{[23942]} : ولم تحترق اليد ، لأنها آلة أخذ العصا{[23943]} .
وقيل : كان ذلك التعقد{[23944]} خلقة فسأل الله تعالى إزالته{[23945]} . واختلفوا في أنه لِمَ طلب حل العقدة ؟ فقيل : لئلا يقع في خلل في أداء{[23946]} الوحي . وقيل : لئلا يستخف بكلامه{[23947]} فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه . وقيل : لإظهار المعجزة كما أن حبس لسان{[23948]} زكريا عن الكلام كان معجزاً في حقه ، فكذا إطلاق لسان موسى -عليه السلام-{[23949]} معجز في حقه{[23950]} .
فصل{[23951]}
قال الحسن{[23952]} : إن تلك العقدة زالت بالكلية ، لقوله تعالى{[23953]} : " قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى " {[23954]} ، وقيل : هذا ضعيف{[23955]} ، لأنه عليه السلام{[23956]} لم يقل : واحْلُلْ العقدة من لساني بل قال : " واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي " ، فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله{[23957]} سؤله ، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء لقوله حكاية عن فرعون " أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِين " مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب{[23958]} عنه بوجهين :
أحدهما : أن المراد بقوله : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي لا يأتي ببيان وحجة .
والثاني : أن ( كَادَ ) بمعنى قَرُبَ . فلو كَانَ المراد هو البيان اللساني ، لكان معناه : أنه لا يقارب البيان ، فكان فيه نفي البيان بالكلية ، وذلك باطل ، لأنه خاطب فرعون وقومه ، وكانوا يفهمون ، فكيف يمكن نفي البيان ، بل إنما قالوا ذلك تمويهاً ليصرفوا الوجوه عنه{[23959]} . واعلم{[23960]} أن{[23961]} النطق فضيلة عظيمة ، ويدل عليه وجوه{[23962]} :
الأول : قوله تعالى : { خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان }{[23963]} ، ولهذا قيل للإنسان : هو الحيوان الناطق .
الثاني : اتفاق العقلاء{[23964]} على تعظيم أمر{[23965]} اللسان قال زهير :
لِسَانُ الفَتَى نِصْفَ وَنصْفٌ{[23966]} فؤاده *** فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ صُورَةُ اللَّّحْمِ وَالدَّمِ{[23967]}
وقالوا{[23968]} : ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مرسلة{[23969]} . أي لو ذهب النطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم .
وقالوا : المَرْءُ{[23970]} بأصغريه أي قلبِه ولسانِه .
وقالوا{[23971]} : " المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ " .
الثالث : أن في مناظرة آدم -عليه السلام{[23972]}- مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال : { يَآ آدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض }{[23973]} {[23974]} .
قوله : " مِنْ لِسَانِي " يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل " عُقْدَة " أي : من عقد لساني ، ولم يذكر الزمخشري غيره{[23975]} . ويجوز أن يتعلق بنفس " احلُلْ " {[23976]} ، والأول أولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.