اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي} (27)

قوله : { واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي } ، وذلك أن{[23936]} موسى{[23937]} كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره ، فلطم فرعون لطمةً ، وأخذ بلحيته ، فقال فرعون لآسية امرأته : إن هذا عدوِّي وأراد أن يقتله ، فقالت آسية : إنه صبي لا يَعْقِل ولا يميز جَرِّبْه إن شئت ، فجاء بطشتين في أحدهما جمر ، والآخر جوهر ، فوضعهما بين يدي موسى ، فأراد أن يأخذ الجوهر ، فأخذ جبريل عليه السلام{[23938]} يد موسى{[23939]} فوضعها على النار ، فأخذ جمرة فوضعها في فيه ، فاحترق لسانه ، ( وصارت عليه عقدة ){[23940]} .

وقيل : قرَّبا إليه ثمرةً وجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه{[23941]} .

[ قالوا ]{[23942]} : ولم تحترق اليد ، لأنها آلة أخذ العصا{[23943]} .

وقيل : كان ذلك التعقد{[23944]} خلقة فسأل الله تعالى إزالته{[23945]} . واختلفوا في أنه لِمَ طلب حل العقدة ؟ فقيل : لئلا يقع في خلل في أداء{[23946]} الوحي . وقيل : لئلا يستخف بكلامه{[23947]} فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه . وقيل : لإظهار المعجزة كما أن حبس لسان{[23948]} زكريا عن الكلام كان معجزاً في حقه ، فكذا إطلاق لسان موسى -عليه السلام-{[23949]} معجز في حقه{[23950]} .

فصل{[23951]}

قال الحسن{[23952]} : إن تلك العقدة زالت بالكلية ، لقوله تعالى{[23953]} : " قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى " {[23954]} ، وقيل : هذا ضعيف{[23955]} ، لأنه عليه السلام{[23956]} لم يقل : واحْلُلْ العقدة من لساني بل قال : " واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي " ، فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله{[23957]} سؤله ، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء لقوله حكاية عن فرعون " أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِين " مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب{[23958]} عنه بوجهين :

أحدهما : أن المراد بقوله : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي لا يأتي ببيان وحجة .

والثاني : أن ( كَادَ ) بمعنى قَرُبَ . فلو كَانَ المراد هو البيان اللساني ، لكان معناه : أنه لا يقارب البيان ، فكان فيه نفي البيان بالكلية ، وذلك باطل ، لأنه خاطب فرعون وقومه ، وكانوا يفهمون ، فكيف يمكن نفي البيان ، بل إنما قالوا ذلك تمويهاً ليصرفوا الوجوه عنه{[23959]} . واعلم{[23960]} أن{[23961]} النطق فضيلة عظيمة ، ويدل عليه وجوه{[23962]} :

الأول : قوله تعالى : { خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان }{[23963]} ، ولهذا قيل للإنسان : هو الحيوان الناطق .

الثاني : اتفاق العقلاء{[23964]} على تعظيم أمر{[23965]} اللسان قال زهير :

لِسَانُ الفَتَى نِصْفَ وَنصْفٌ{[23966]} فؤاده *** فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ صُورَةُ اللَّّحْمِ وَالدَّمِ{[23967]}

وقالوا{[23968]} : ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مرسلة{[23969]} . أي لو ذهب النطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم .

وقالوا : المَرْءُ{[23970]} بأصغريه أي قلبِه ولسانِه .

وقالوا{[23971]} : " المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ " .

الثالث : أن في مناظرة آدم -عليه السلام{[23972]}- مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال : { يَآ آدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض }{[23973]} {[23974]} .

قوله : " مِنْ لِسَانِي " يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل " عُقْدَة " أي : من عقد لساني ، ولم يذكر الزمخشري غيره{[23975]} . ويجوز أن يتعلق بنفس " احلُلْ " {[23976]} ، والأول أولى .


[23936]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/420 – 421.
[23937]:في ب: موسى عليه الصلاة والسلام.
[23938]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23939]:في ب: موسى عليه الصلاة والسلام.
[23940]:آخر ما نقله عن البغوي 5/420 – 421.
[23941]:انظر الفخر الرازي 22/47.
[23942]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23943]:انظر الفخر الرازي 22/47.
[23944]:في ب: العقد. وهو تحريف.
[23945]:انظر الفخر الرازي 22/47.
[23946]:في ب: أدائه. وهو تحريف.
[23947]:في الأصل: في كلامه. وهو تحريف.
[23948]:لسان على هامش الأصل، وسقط من ب.
[23949]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23950]:انظر الفخر الرازي 22/48.
[23951]:في ب: فإن قيل.
[23952]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/48. بتصرف يسير.
[23953]:تعالى: سقط من ب.
[23954]:[طه: 36].
[23955]:ضعيف: سقط من الأصل.
[23956]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23957]:في ب: الله تعالى.
[23958]:[الزخرف: 52].
[23959]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/48. بتصرف يسير.
[23960]:في ب: فصل واعلم.
[23961]:من هنا ما نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/46.
[23962]:في ب: وجه. وهو تحريف.
[23963]:[الرحمن: 3 ، 4].
[23964]:في ب: العلماء العقلاء.
[23965]:أمر: سقط من ب.
[23966]:ونصف: سقط من ب.
[23967]:البيت من بحر الطويل قاله زهير وهو في جمهرة أشعار العرب 1/300، والبيان و التبيين 1/171 ونسبة الجاحظ إلى الأعور الشني، والفخر الرازي 22/46. واستشهد به على عظم أمر اللسان.
[23968]:في الفخر الرازي: وقال علي.
[23969]:في ب: مرسل. وهو تحريف.
[23970]:في الأصل: الإنسان.
[23971]:في الفخر الرازي : وقال صلى الله عليه وسلم.
[23972]:عليه السلام سقط من ب.
[23973]:[البقرة: 33].
[23974]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/46. بتصرف.
[23975]:الكشاف 2/432.
[23976]:ونسبه أبو حيان إلى الحوفي البحر المحيط 6/339، وجوز أبو البقاء الوجهين التبيان 2/889.