معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ} (61)

قوله تعالى : { ذلك } أي : ذلك النصر { بأن الله } القادر على ما يشاء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ} (61)

ثم بين - سبحانه - أن نصره للمظلوم مرجعه إلى شمول قدرته على كل شىء ، فقال - تعالى - : { ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل } .

ومعنى : يولج : يدخل . يقال : ولج فلان منزله ، إذا دخله .

أى : ذلك الذين فعلناه من نصرة المبغى عليه على الباغى ، كائن بسبب أن قدرتنا لا يعجزها شىء ، ومن مظاهر ذلك أننا ندخل جزءا من الليل فى النهار فيقصر الليل ويزيد النهار ، وندخل جزءا من النهار فى الليل فيحصل العكس . وأنتم ترون ذلك بأعينكم ، وتشاهدون كيف يسيران بهذا النظام البديع .

{ وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أى : وأن الله - تعالى - سميع لكل المسموعات ، بصير لك المبصرات ، لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ} (61)

يقول تعالى منبها على أنه الخالق المتصرف في خلقه بما يشاء ، كما قال : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ] {[20397]} } [ آل عمران : 26 ، 27 ] ومعنى إيلاجه الليل في النهار ، والنهار في الليل : إدخاله من هذا في هذا ، ومن هذا في هذا ، فتارة يطول الليل ويقصر النهار ، كما في الشتاء ، وتارة يطول النهار ويقصر الليل ، كما في الصيف .

وقوله : { وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي : سميع بأقوال عباده ، بصير بهم ، لا يخفى عليه منهم خافية في أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم .

ولما بين أنه المتصرف في الوجود ، الحاكم الذي لا معقب لحكمه ،


[20397]:- زيادة من ف ، أ : وفي ت : "الآية".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ} (61)

وقوله { ذلك بأن الله يولج الليل في النهار } ، معناها نصر الله أولياءه ومن بغي عليه بأنه القادر على العظائم الذي لا تضاهى قدرته فأوجزت العبارة بأن أشار ب { ذلك } إلى النصر وعبر عن القدرة بتفصيلها فذكر منها مثلاً لا يدعى لغير الله تعالى ، وجعل تقصير الليل وزيادة النهار وعكسهما إيلاجاً تجوزاً وتشبيهاً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ} (61)

ليس اسم الإشارة مستعملاً في الفصل بين الكلامين مثل شبيهه الذي قبله ، بل الإشارة هنا إلى الكلام السابق الدال على تكفل النصر ، فإن النصر يقتضي تغليب أحد الضدّين على ضدّه وإقحام الجيش في الجيش الآخر في الملحمة ، فضرب له مثلاً بتغليب مدة النهار على مدة الليل في بعض السنة ، وتغليب مدة الليل على مدة النهار في بعضها ، لما تقرر من اشتهار التضادّ بين الليل والنهار ، أي الظلمة والنور ، وقريب منها استعارة التلبيس للإقحام في الحرب في قول المرّار السُّلَمي :

وكتيبَةٍ لبّسْتُها بكتيبة حتى *** إذا التَبست نفضتُ لها يدي

فخبر اسم الإشارة هنا هو قوله : { بأن الله يولج الليل } الخ .

ويجوز أن يكون اسم الإشارة تكريراً لشبيهه السابق لقصر توكيده لأنه متصل به لأن جملة { بأن الله يولج الليل في النهار } الخ ، مرتبطة بجملة { ومن عاقب بمثل ما عوقب به } الخ ، ولذلك يصح جعل { بأن الله يولج الليل في النهار } الخ متعلقاً بقوله { لينصرنه الله } [ الحج : 60 ] .

والإيلاج : الإدخال . مثل به اختفاء ظلام الليل عند ظهور نور النهار وعكسه تشبيهاً لذلك التصيير بإدخال جسم في جسم آخر ، فإيلاج الليل في النهار : غشيان ضوء النهار على ظلمة الليل ، وإيلاج النهار في الليل : غشيان ظلمة الليل على ما كان من ضوء النهار . فالمُولج هو المُختفي ، فإيلاج الليل انقضاؤه . واستعارة الإيلاج لذلك استعارة بديعة لأن تقلص ظلمة الليل يحصل تدريجاً ، وكذلك تقلّص ضوء النهار يحصل تدريجاً ، فأشبه ذلك إيلاج شيء في شيء إذ يبدو داخلاً فيه شيئاً فشيئاً .

والباء للسببية ، أي لا عجب في النصر الموعود به المسلمون على الكافرين مع قلّة المسلمين ، فإن القادر على تغليب النهار على الليل حيناً بعد أن كان أمرهما على العكس حيناً آخر قادر على تغليب الضعيف على القوي ، فصار حاصل المعنى : ذلك بأن الله قادر على نصرهم .

والجمع بين ذكر إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل للإيماء إلى تقلّب أحوال الزمان فقد يصير المغلوب غالباً ، ويصير ذلك الغالب مغلوباً . مع ما فيه من التنبيه على تمام القدرة بحيث تتعلق بالأفعال المتضادّة ولا تلزم طريقَة واحدة كقدرة الصناع من البشر . وفيه إدماج التنبيه بأنّ العذاب الذي استبطأه المشركون منوط بحلول أجله ، وما الأجل إلا إيلاج ليل في نهار ونهار في ليل .

وفي ذكر الليل والنهار في هذا المقام إدماج تشبيه الكفر بالليل والإسلام بالنهار لأن الكفر ضلالة اعتقادٍ ، فصاحبه مثل الذي يمشي في ظلمة ، ولأنّ الإيمان نور يتجلّى به الحق والاعتقاد الصحيح ، فصاحبه كالذي يمشي في النهار ، ففي هذا إيماء إلى أن الإيلاج المقصود هو ظهور النهار بعد ظلمة الليل ، أي ظهور الدين الحق بعد ظلمة الإشراك ، ولذلك ابتدىء في الآية بإيلاج الليل في النهار ، أي دخول ظلمة الليل تحت ضوء النهار .

وقوله : { ويولج النهار في الليل } تتميم لإظهار صلاحية القدرة الإلهية . وتقدم في سورة [ آل عمران : 27 ] { تولج الليل في النهار } وعُطف { وأن الله سميع بصير } على السبب للإشارة إلى علم الله بالأحوال كلها فهو ينصر من ينصره بعلمه وحكمته ويعد بالنصر من عَلم أنه ناصره لا محالة ، فلا يصدر منه شيء إلا عن حكمة .