قوله تعالى : { إنا جعلناها فتنة للظالمين } الكافرين وذلك أنهم قالوا : كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر ؟ وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش : إن محمداً يخوفنا بالزقوم ، والزقوم بلسان بربر : الزبد والتمر ، فأدخلهم أبو جهل بيته ، وقال : يا جارية زقمينا ، فأتتهم بالزبد والتمر ، فقال : تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد .
ثم بين - سبحانه - شيئا عن هذه الشجرة فقال : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } أى : إنا جعلنا هذه الشجرة محنة وابتلاء وامتحانا لهؤلاء الكافرين الظالمين ، لأنهم لما لما أخبرهم رسولنا صلى الله عليه وسلم بوجود هذه الشجرة فى النار . كذبوه واستهزأوا به ، فحق عليهم عذابنا بسبب هذا التكذيب والاستهزاء .
قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } أى ، المشركين . وذلك أنهم قالوا . كيف تكون فى النار شجرة مع أن النار تحرق الشجر . . ؟
وكان هذا القول جهلا منهم ، إذ لا يستحيل فى العقل أن يخلق الله فى النار شجرا من جنسها لا تأكله النار ، كما يخلق الله فيها الأغلال والقيود والحياة والعقارب .
وقوله : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ } ، قال قتادة : ذكرت شجرة الزقوم ، فافتتن بها أهل الضلالة ، وقالوا : صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، فأنزل الله عز وجل : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ } غذت من النار ، ومنها خلقت .
وقال مجاهد : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ } قال أبو جهل - لعنه الله - : إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه .
قلت : ومعنى الآية : إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختبارا تختبر{[24983]} به الناس ، من يصدق منهم ممن يكذب ، كقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا } [ الإسراء : 60 ] .
وقوله : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ } أي : أصل منبتها في قرار النار .
وقوله تعالى : { إنا جعلناها فتنة للظالمين } قال قتادة والسدي ومجاهد : يريد أبا جهل ونظراءه وذلك أنه لما نزلت { أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم } ، قال الكفار ، وكيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار وهي تأكلها وتذهبها ففتنوا بذلك أنفسهم وجهلة من أتباعهم ، وقال أبو جهل : إنما الزقوم التمر بالزبد ونحن نتزقمه .
وفسرت الفتنة أيضاً بأن خبر شجرة الزقوم كان فتنة للمشركين إذ أغراهم بالتكذيب والتهكم فيكون معنى { جَعَلْناهَا } جعلنا ذكرها وخبرها ، أي لما نزلت آية سورة الواقعة ، أي جعلنا ذكرها مثيراً لفتنتهم بالتكذيب والتهكم دون تفهم ، وذلك مثل قوله : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } [ المدثر : 31 ] ، فإنه لما نزل قوله تعالى في وصف جهنم : { عليها تسعة عشر } [ المدثر : 30 ] قال أبو جهل لقريش : ثَكِلتكم أمهاتُكم إن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدُّهم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ( أي من خزنة النار ) فقال أبو الأشد الجمحي : أنا أكفيكم سبعةَ عشر فاكْفوني أنتم اثنين فأنزل الله تعالى : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } [ المدثر : 31 ] أي فليس الواحد منهم كواحد من الناس { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } [ المدثر : 31 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.