الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهَا فِتۡنَةٗ لِّلظَّـٰلِمِينَ} (63)

قوله تعالى : " إنا جعلناها فتنة للظالمين " أي المشركين ، وذلك أنهم قالوا : كيف تكون في النار شجرة وهي تحرق الشجر ؟ وقد مضى هذا المعنى في " سبحان " {[13261]} واستخفافهم في هذا كقولهم في قوله تعالى : " عليها تسعة عشر " [ المدثر : 30 ] . ما الذي يخصص هذا العدد ؟ حتى قال بعضهم : أنا أكفيكم منهم كذا فاكفوني الباقين . فقال الله تعالى : " وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا " [ المدثر : 31 ] والفتنة الاختبار ، وكان هذا القول منهم جهلا ، إذ لا يستحيل في العقل أن يخلق الله في النار شجرا من جنسها لا تأكله النار ، كما يخلق الله فيها الأغلال والقيود والحيات والعقارب وخزنة النار . وقيل : هذا الاستبعاد الذي وقع للكفار هو الذي وقع الآن للملحدة ، حتى حملوا الجنة والنار على نعيم أو عقاب تتخلله الأرواح ، وحملوا وزن الأعمال والصراط واللوح والقلم على معاني زوروها في أنفسهم ، دون ما فهمه المسلمون من موارد الشرع ، وإذا ورد خبر الصادق بشيء موهوم في العقل ، فالواجب تصديقه وإن جاز أن يكون له تأويل ، ثم التأويل في موضع إجماع المسلمين على أنه تأويل باطل لا يجوز ، والمسلمون مجمعون على الأخذ بهذه الأشياء من غير مصير إلى علم الباطن . وقيل إنها فتنة أي عقوبة للظالمين ، كما قال : " ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون " [ الذاريات : 14 ] .


[13261]:راجع ج 1 ص 283 طبعة أولى أو ثانية.