ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة الذين يحاربون الله ورسوله ، ولا يدركون أنه - سبحانه - معهم أينما كانوا ، ويعلم ما يتناجون به من إثم وعدوان ومعصية للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ . . . } .
قوله - سبحانه - : { يُحَآدُّونَ } من المحادة بمعنى المعاداة والمباغضة ، وأصلها أن تكون أنت فى حد - أي : فى جانب - وعدوك فى حد آخر ، فكنى بها عن المعاداة لأنها لازمة لها .
وقوله : { كُبِتُواْ } من الكبت بمعنى الخزي والذل ، يقال : كبت الله العدو كبتاً - من باب ضرب - إذا أهانه وأذله وأخزاه .
قال الجمل : والذين يحادون الله هم الكافرون ، وهذه الآية وردت فى غزوة الأحزاب .
والمقصود منها البشارة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم ، سيصيبهم الكبت والذل ، وسيتفرق جمعهم . . .
والمعنى : إن الذين يحاربون دين الإسلام الذي شرعه الله - تعالى - . وجاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - { كُبِتُواْ } وأصابهم الخزي والذل { كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } من أعداء الحق .
وأوثر هنا الفعل { يُحَآدُّونَ } لوقوعه عقب الكلام عن حدود الله - تعالى - فى قوله - عز وجل - وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم .
وقوله - تعالى - : { كُبِتُواْ } بمعنى سيكبتون ، وعبر عن ذلك بالماضى ، للإشعار بتحقق الذل والخسران ، لأولئك المتحزبين الذين جمعوا جموعهم لمحاربة الله ورسوله . وقد حقق الله - تعالى - وعده ، إذ ردهم بغيظهم دون أن ينالوا خيرا .
وجملة : { وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . . } حال من الضمير فى { كُبِتُواْ . . } أي : كبتوا لمجادلتهم للحق ، والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات ، تدل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من عند ربه ، وتشهد بأن أعداءه على الباطل والضلال .
{ وَلِلْكَافِرِينَ } الذين أعرضوا عن دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحاربوها { عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي عذاب يهينهم ويذلهم ويخزيهم .
يخبر تعالى عمن شاقوا الله ورسوله وعاندوا شرعه{ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي : أهينوا ولعنوا وأخزوا ، كما فعل بمن أشبههم ممن قبلهم{ وَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي : واضحات لا يخالفها ولا يعاندها إلا كافر فاجر مكابر ، { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي : في مقابلة ما استكبروا عن اتباع شرع الله ، والانقياد له ، والخضوع لديه .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مّهِينٌ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين يخالفون الله في حدوده وفرائضه ، فيجعلون حدودا غير حدوده ، وذلك هو المحادّة لله ولرسوله ، وأما قتادة فإنه كان يقول في معنى ذلك ما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ يُحادّونَ الله وَرَسُولَهُ يقول : يعادون الله ورسوله .
وأما قوله : كُبِتُوا كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فإنه يعني : غيظوا وأخزوا كما غيظ الذين من قبلهم من الأمم الذين حادّوا الله ورسوله ، وخزُوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كُبِتُوا كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ خُزوا كما خزي الذين من قبلهم .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : معنى كُبِتُوا أهلكوا .
وقال آخر منهم : يقول : معناه غيظوا وأخزوا يوم الخندق كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريد من قاتل الأنبياء من قبلهم .
وقوله : وَقَدْ أنْزَلْنا آياتٍ بَيّناتٍ يقول : وقد أنزلنا دلالات مفصلات ، وعلامات محكمات تدلّ على حقائق حدود الله .
وقوله : { وللْكافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }يقول تعالى ذكره : ولجاحدي تلك الاَيات البيّنات التي أنزلناها على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنكريها عذاب يوم القيامة مهين : يعني مذلّ في جهنم .
{ إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ }
لما جرى ذكر الكافرين وجرى ذكر حدود الله وكان في المدينة منافقون من المشركين نقل الكلام إلى تهديدهم وإيقاظ المسلمين للاحتراز منهم .
والمحادَّة : المشاقَّة والمعاداة ، وقد أوثر هذا الفعل هنا لوقوع الكلام عقب ذكر حدود الله ، فإن المحادة مشتقّة من الحد لأن كل واحد من المتعاديَين كأنّه في حَدّ مخالف لحدّ الآخر ، مثل ما قيل أن العداوة مشتقة من عُدْوَة الوادي لأن كلاً من المتعاديَين يشبه من هو من الآخر في عُدوة أخرى .
وقيل : اشتقت المشاقّة من الشقة لأن كلاً من المتخالفين كأنه في شقة غير شقة الآخر .
والمراد بهم الذين يُحَادُون رسول الله صلى الله عليه وسلم المرسَلَ بدين الله فمحادته محادة لله .
والكبت : الخزي والإِذلالُ وفعل { كبتوا } مستعمل في الوعيد أي سيكبَتون ، فعبّر عنه بالمضيّ تنبيهاً على تحقيق وقوعه لصدوره عمّن لا خلاف في خبره مثل { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] ولأنه مُؤيِّدٌ بتنظيره بما وقع لأمثالهم . وقرينة ذلك تأكيد الخبر ب { إنّ } لأن الكلام لو كان إخباراً عن كبت وقع لم يكن ثم مقتضى لتأكيد الخبر إذ لا ينازع أحد فيما وقع ، ويزيد ذلك وضوحاً قوله : { كما كبت الذين من قبلهم } يعني الذين حادُّوا الله في غزوة الخندق . وتقدم ذكرها في سورة الأحزاب . وما كان من المنافقين فيها فالمراد بصلة { من قبلهم } من كان من قبلهم من أهل النفاق وهم يعرفونهم .
{ وَقَدْ أَنزَلْنَآ ءايات بينات } .
معترضة بين جملة { إن الذين يحادون الله ورسوله } وجملة { وللكافرين عذاب مهين } أي لا عذر لهم في محادّة الله ورسوله فإن مع الرسول صلى الله عليه وسلم آيات القرآن بيّنة على صدقه .
{ وللكافرين عَذَابٌ مهين } . عطف على جملة { كبتوا كما كبت الذين من قبلهم } ، أي لهم بعد الكبت عذاب مهين في الآخرة .
وتعريف ( الكافرين ) تعريف الجنس ليستغرق كل الكافرين . ووصف عذابهم بالمهين لمناسبة وعيدهم بالكبت الذي هو الذل والإِهانة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.