السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (5)

ولما ذكر تعالى المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادين المخالفين لها بقوله تعالى : { إن الذين يحادّون الله } أي : يغالبون الملك الأعلى على حدوده ليجعلوا حدوداً غيرها وذلك صورته صورة العداوة ؛ لأنّ المحادة المعاداة والمخالفة في الحدود وهو كقوله تعالى : { ومن يشاق الله } [ الحشر : 4 ] { ورسوله } أي : الذي عزه من عزه ، وقيل : يحادّون الله أي : أولياء الله كما في الخبر «من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة » والضمير في قوله تعالى : { إن الذين يحادّون الله ورسوله } يحتمل أن يرجع إلى المنافقين ، فإنهم كانوا يوادّون الكافرين ويظاهرونهم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فأذلهم الله تعالى ويحتمل أن يرجع لجميع الكفار فأعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم { كبتوا } أي : أذلوا وقال أبو عبيدة والأخفش : أهلكوا ، وقال قتادة : أخذوا ، وقال أبو زيد : عذبوا ، وقال السدي : لعنوا ، وقال الفراء : أغيظوا يوم الخندق . وقيل : يوم بدر { كما كبت الذين من قبلهم } أي : المحادّين المخالفين رسلهم كقوم نوح ومن بعدهم ممن أصرّ على العصيان .

قال القشيريّ : ومن ضيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو أحدث في دينه بدعة انخرط في هذا السلك { وقد أنزلنا } أي : بما لنا من العظمة عليكم وعلى من قبلكم { آيات بينات } أي : دلالات عظيمة هي في غاية البيان لذلك ولكل ما يتوقف عليه الإيمان كترك المحادّة وتحصيل الإذعان { وللكافرين } أي : الراسخين في الكفر بالآيات أو بغيرها من أوامر الله تعالى : { عذاب مهين } بما تكبروا واعتدوا على أولياء الله تعالى وشرائعه يهينهم ذلك العذاب ويذهب عزهم وشماختهم ويتركون به محادتهم .