فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (5)

قوله : { إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ } لما ذكر سبحانه المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادّين ، والمحادّة : المشاقة والمعاداة والمخالفة ، ومثله قوله : { إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ } [ المجادلة : 20 ] قال الزجاج : المحادّة أن تكون في حدّ يخالف صاحبك ، وأصلها الممانعة ، ومنه الحديد ، ومنه الحدّاد للبوّاب { كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } أي أذلوا وأخزوا ، يقال : كبت الله فلاناً : إذا أذله ، والمردود بالذلّ يقال له : مكبوت . قال المقاتلان : أخزوا ، كما أخزي الذين من قبلهم من أهل الشرك ، وكذا قال قتادة . وقال أبو عبيدة والأخفش : أهلكوا . وقال ابن زيد : عذبوا . وقال السديّ : لعنوا . وقال الفرّاء : أغيظوا ، والمراد بمن قبلهم : كفار الأمم الماضية المعادين لرسل الله ، وعبّر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه ، وقيل المعنى : على المضيّ ، وذلك ما وقع للمشركين يوم بدر ، فإن الله كبتهم بالقتل والأسر والقهر ، وجملة { وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايات بينات } في محل نصب على الحال من الواو في كبتوا : أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حادّ الله ورسله من الأمم المتقدّمة ، وقيل : المراد الفرائض التي أنزلها الله سبحانه ، وقيل : هي المعجزات { وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي للكافرين بكل ما يجب الإيمان به . فتدخل الآيات المذكورة هنا دخولاً أوّلياً ، والعذاب المهين : الذي يهين صاحبه ويذله ، ويذهب بعزّه .