فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (5)

ولما ذكر سبحانه المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادين فقال :{ إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين ( 5 ) } . { إن الذين يحادون الله ورسوله } المحادة المشاقة والمعاداة والمخالفة ومثل قوله { إن الذين يشاقون الله ورسوله } قال الزجاج : المحادة أن تكون في حد يخالف صاحبك ، فهي كناية عن المعاداة لكونها لازمة لها ، وأصلها الممانعة ، ومنه الحديد ، ومنه الحداد للبواب ، والمحادون هم أهل مكة ، فإن هذه الآية وردت في غزوة الأحزاب وهي في السنة الرابعة وقيل : في الخامسة والمقصود منها البشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم .

{ كبتوا } أي يكبتوا ويذلوا ويتفرق جمعهم ، وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي ، تنبيها على تحقيق وقوعه ، وقيل : المعنى على الماضي وذلك ما وقع للمشركين يوم بدر ، فإن الله كبتهم بالقتل والأسر والقهر { كما كبت الذين من قبلهم } أي أذلوا وأخزوا ، يقال : كبت الله فلانا إذا أذله ، والمردود بالذل يقال له : مكبوت ، قال المقاتلان : أخزوا كما أخزي الذين من قبلهم من أهل الشرك ، وكذا قال قتادة وقال أبو عبيدة والأخفش : أهلكوا ، وقال ابن زيد : عذبوا ، وقال السدي : لعنوا وقال الفراء : أغيظوا يوم الخندق ، والمراد بمن قبلهم كفار الأمم الماضية المعادين لرسل الله .

{ وقد أنزلنا آيات بينات } أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسله من الأمم المتقدمة وقيل المراد الفرائض التي أنزلها الله سبحانه وقيل هي المعجزات الدالة على صدق الرسول { وللكافرين } بكل ما يجب الإيمان فتدخل الآيات المذكورة هنا دخولا أوليا { عذاب مهين } يهين صاحبه ويذله ويذهب بعزه .